Thursday, February 27, 2020

وفاة رئيس

أسمى حسنى مبارك –كان هذا رد الرئيس المصرى على المراسلة الاجنبية الذى سألته فى اول أيام توليه رئاسة مصر عن اتجاهه على يكون ناصريا ام ساداتيا- الذى قادها كما تعود أن يقود الطائرات القاذفة يسير ببطء يتجنب الدخول فى المعارك مالم يضمن كسبها عن بعد نفس تكتيكات قائد طائرة ثقيلة وقد كانت مصر ثقيلة عليه فى اكثر طموحاته كما قال بعد قيادة القوات الجوية أن يعين سفير فى خارج البلاد ويعيش يومين ، حتى انه نسب لأحد السياسيين الانجليز انه قال عنه مثل الساعة الاوميجا لايقدم ولا يؤخر يبدو أن الساعة الاوميجا لها تأثير كبير فى حكم مصر! ، او كما نقده احد الفنانيين وسجن بسببها حينما قال جالنا رئيس لا يهش ولا ينش ثقل الأمانة جعله مترددا بين الطرق ربما يدور بالبلاد بعيدا مثلما فعل فى طلعة 1967 حينما انقذ طائراته الى مطار اسوان.
لكن الرئيس السادات رأى ان يسند المهمة إلى جيل اكتوبر فجاء مبارك والحق يقال أن الرئيس السادات كان اكثر رؤساء "يوليو" علما بالسياسة لذلك اخذ وقتا طويلا لتجهيز بديل دون أن يترك فوضى وراءه حتى فى اسوء لحظات الفوضى بعد مقتله كان نائبه هناك يقود البلاد فى مرحلة شديدة الحرج واستطاع مبارك ان يقود دفة الأمور بحنكه لم يصدق احد انه قادر عليها وكان استقباله للمعتقلين الخارجين من ازمة سبتمبر علامة على أن الرجل يسير فى اتجاه جيد ولكنه كان شديد التردد ووجد التركة ثقيلة وحلف انه لن يجدد اكثر من فترتين على نمط النظام الفرنسى المقتبس منه الدستور المصرى لكننا نحب ان نضيف دوما اللمسة المصرية التى جاءت بعدم التجديد لثلاثين عاما.
وجاءت انتخابات مجلس الشعب عام 1984 لتثبت أن الرجل راغب فى السير نحو المزيد من الديمقراطية لكن شبح الجماعات الاسلامية كان هناك بشعارها الفضفاض الرنان "الإسلام هو الحل" دغدغ الجماهير وكان العودة مرة اخرى بضربة دستورية تخصص بها ترزية القوانين القادرين دوما على اخراج مؤسسة الدولة من عثرتها أمام خصومها السياسيين.
وكانت التركة المصرية شديدة الثقل بعد سنوات الحرب وعدم وجود رؤية واضحة بين احلام ناصرية وانفتاح احلام اضحت كوابيس مع انتفاضة يناير 1977 واوصل لانفجارات خريف سبتمبر الذى اوصل مصر إلى المنصة ، الذى جعلت مصر تغلى فى ظل بنية اساسية شبه منهارة بعد سنوات الحرب وعدو يتربص ويختبر مصر بقضية طابا كاختبار لذلك للرجل الجديد فى مصر الذى قاد الموقف دون عنتريات ورفع العلم على سيناء دون طابا وانتظر التحكيم حتى أنه دفع تعويضات لكنه حصل على الأرض وبدا أن مصر قادرة على حشد طاقتها الانسانية بين معارض ومؤيد فى فريق تحكيمى ضمن لمصر الحكم بل ممكن البناء عليه وبدا ان سكة السلام المصرية مشوقة لأخرين.
وكانت العصا السحرية عملية تدخل جراحى للقوات المسلحة بهيئتها الهندسية فقط لأقامة عدد من الكبارى فى العاصمة تنتهى فى ثلاث شهور اغلب الكبارى المعدنية الموجودة داخل القاهرة الآن "رمسيس ، دقى ، الفنجرى ، السيدة عائشة" وسلاح المهندسين يتدخل ليقلل قوائم انتظار التليفونات وبالطبع ليس هذا مثل ما نعيشه الآن فى استنزاف طاقات القوات المسلحة من اول لبن الاطفال حتى القنوات التليفزيونية عروجا على كشاف النور.
وتم تدشين مشروعات بنية تحتية بقروض شديدة الوطئة فى ظل زيادة سكانية لا تتوقف دون وجود طموحات للاستفادة من تلك الزيادة وعليه استلم الرئيس مصر وهى تلد مصر ثانية فى بداية حكمه وتركها بمصر ثالثة فى نهايته وجاهد مبارك للبعد عن المعارك العربية العبثية حتى وجد دورا للعب دور فى العالم العربى مرة اخرى لمصر تحت رعاية غربية لاخرج الفصائل الفلسطينية من لبنان تحت مظلة جوية مصرية حتى قواعدهم فى تونس واليمن وبدأت رحلة العودة للعالم العربى وكان نصرا سياسيا أن تعود الجامعة إلى مصر وتعود مصر إلى الجامعة وبدءت مصر تحاول لم الشمل العربى دون تجاوزات وكان الجميع يشتم الرئيس الذى تجاهل مشاكل مصريين فى الخارج من اجل الحفاظ على بقية العمالة المصرية سواء فى الخليج او فى العراق وصبر على اذى عربى حتى عادت مصر تحاول أن تلم المؤسسة العربية على نمط الاتحاد الاوروبى وحاولت مصر من خلال عده طرق تدعيم العلاقات لفتح آفاق للمصريين لخلق فرص عمل كان الرئيس موضع نقد لأنه بالمقارنة بالعنتريات الناصرية والمغامرات الساداتيه اقرب للانبطاح حتى إبان التوتر الشديد فى العلاقات المصرية الأمريكية عقب انزال الطائرة المصرية المدنية فى ايطاليا لم يقل الرئيس شيئا على الهواء سوى كان كافيا انزالها بطائرة واحدة دون اربع مقاتلات امريكية اصطحبتها!!.
وكانت محاولات الاتفاقات الثنائية وبيع السلاح الروسى للعراق وفتح اسواق دول الخليج حلا للازمة الطاحنة وعدم وجود فرص كبيرة والحق أن طوال حكمه لم يتوقف الصراع مع الجماعات المتطرفة بعيدا فى صعيد مصر ولكنه فى التسعينات اطل بطول البلاد وعرضها بعد نجاح التجربة الافغانية برعاية امريكية ودعم سعودى بالأموال ومصرى بأفراد الجماعات التى تم التخلص منهم سابقا واصبح الوضع خطيرا.
ووسط الازمة الاقتصادية الخانقة جاءت حرب الخليج كصدمة للجميع وبخبرته كرجل عسكرى عرف أن الأمر لن يمر وأن هناك معركة قادمة وبنفس طريقة الطائرات الثقيلة عليه أن يكون فى الاتجاه الآمن رغم كل المغريات العنترية وخرجت مصر من الحرب ببراجماتيه مبارك باسقاط كل الديون الاقتصادية والعسكرية ومحاولة مصرية للبقاء هناك جوار مواقع البترول بقوات عربية وليست اجنبية بأعلان دمشق لكن الدول الكبرى رأت أن هذا لا يجب أن يمر وعادت الدائرة المفرغة العربية مرة اخرى فسقوط بيروت فى الثمانينات كان الموعد اسقاط بغداد فى التسعينات لكن تم التخلى عن اسقاط بغداد لصالح اسقاط النظام العربى ولم تنجح مصر بنظرية دعم الواقع العربى وآليه عقد القمم العربية سنويا بدلا من الطارئة وبدا ان العقد ينفرط فى ظل حالة كونية القرية المعلوماتية وعدم قدرة الجميع على استيعاب التكنولوجيا سوى الشباب الذى اصبح يبحث عن دور ما .. لكن الرئيس لم يرى فى دور الشباب سوى بأسناد بعض المهام إلى ابنه كأن الأمر يتعلق بعزبة تديرها الأسرة وبدأت رائحة الفساد حول الابنين تفوح من اراض وشركات وشائعات بعضها كان جزء من حقيقة واغلبها كان دخانا اعمى قلوب الجماهير وجاءت حادثة الأقصر كفاجعة مصرية خالصة ترك بعضها الحبل على الغارب لاجهزة الأمن فى التعامل ورغم أن الأمن نجح مع الارهاب مع برامج اخرى لاخراج جماعات من المواجهة الإ أن الأمن لم ينجح فى وقف الشباب فى البحث عن دور وكان الدور الاساسى للتكنولوجيا فضح ممارسات الأمن فى انتهاكات حقوق الانسان.
وبدأ القرن الأمريكى بفلسفة نهاية التاريخ وصراع الحضارات وكان صدام البرجين ايذانا ببدء السيرك الأمريكى فى المنطقة صناعة الفوضى الخلاقة والحديث عن انظمة لا يجب دعمها.
وكان سن الرئيس لا يسمح له إلا بأن يكون حكيم المنطقة لكن بغداد سقطت وسقطت معاها اوراق توت السلام وبدا ان القضية الفلسطينية تدخل فى نفق التفاوض اللانهائى الذى تحدث عنه شامير فى بداية مؤتمرات التسعينات وطبقه نتنياهو عبر خارطة طريق ومعاليميم ادومين تأكل القدس لتتأجج المشاعر مرة اخرى وتظهر القاهرة كأنما تشارك فى حصار غزة بينما هى غارقة فى الخلافات الفلسطينية وتحاول بنفس الطريقة رغم امتلاكها الادوات لكنها عاجزة عجز الرئيس الذى اصبح الهرم يظهر عليه فى سقوطه داخل مجلس الشعب فى الحزن الانسانى لخظة وفاة حفيده وبدا أن الجميع يستثمر اللحظة ليعيد الأمل لأسرة الرئيس لكن الجراح الشعبية كانت عميقة فى السلام اكسبريس فى قطار الصعيد الأهمال الذى اصبح يقتل اكثر من الأرهاب والفساد الذى لا يجد مانعا فى تصدير الغاز لاسرائيل واتفاقية الكويز كصك غفران للتوريث.
وبدا أن القاهرة وواشنطن ليس على وفاق ولم تنس الادارة الامريكية للرئيس كلامه عن انه حذرهم من البرجين ولم تنس له موقفه مع بوش فى شرم الشيخ فى قمة صناعة السلام الذى لم يطبخ جيدا ، وتحت سمع وبصر النظام المصرى بدأ الاعداد للفوضى الخلاقة وحاولت القاهرة أن تظهر كحاضنة معلوماتية لكن دون ان تعطى الدور لاكثر الشباب وبدا أن الدور حكرا فقط على الشباب التابع لنجل الرئيس وتزوجت السلطة بالثروة فى تحد سافر للمجتمع.
وجهزت الادارة الأمريكية لمشهد السقوط النهائى تهافتت القاهرة أن يذيع اوباما خطابه من القاهرة كصك غفران جديد وبدأت صناعة المشهد الرئيس الخارج من احزان وفاه حفيدة على باب قصر القبة يتصور أنه يقف فى الأعلى بينما الرئيس الأمريكى يستعرض شبابه فى الصعود على سلم القصر والقاهرة التى حصلت على اجازة كاملة ليتريض فيها سيد الكون ولكن كل صكوك الغفران لم تشفع فالماكينة دائرة والخصوم كثر والسقوط قادم بسرعة.
وبدأت تحركت الوريث عبر محاولة ازالة التكلس فى مفاصل الدولة بابعاد القيادات القديمة رغم خبرة البعض او لرسم صورة شبابية للوطن لكنها على مقاس الوريث فقط وحاشيته وعصابته وبدا وأن الأمر يقترب من عصابة الاربعة حول الرئيس مثل ما حدث لماوتسى تونج فى سنواته الاخيرة أو أن الأمر تحول لشلة من اربعين حرامى تقسم الوطن على مقاسات مصالحها ، وجاءت عبثية انتخابات الشورى والشعب الأخيرة لتؤكد أنه لا يوجد فائدة والنظام يعود إلى الوراء بل حتى مساحات الحرية فى الفن وفى الكبارية السياسى الذى ارتدى عباءة مسرحية بدأت فى الاختفاء فى السنوات الأخيرة وحتى بدأت محاولات لتقليص الحرية الصحفية التى للأمانة لم تكن غير مسبوقة حتى أن كل قضايا الفساد التى دخل بسببها رجال مبارك السجون كانت تناقش على صفحات الجرائد ، ولم ينتبه الجميع إلى كرة العنف الذى تدحرجت فى البلاد عبر احتكاكات طائفية فى العمرانية وشائعات طائفية اخرى فى السيدة عائشة ونهاية بمشهد كنيسة القديسيين وغباء الوريث فى اقتحام الكاتدرائية للتهنئة فى عيد الميلاد فى مشهد يمهد لسقوط الداخلية فى قتل مواطن آخر ولزق قضية القديسيين بغزة لانهاء الوضع قبل 25 يناير ، ويكسر الشعب التونسى قيده ويظن الجميع أن القاهرة بعيدة والأدارة الامريكية تشجع عبر تصريحات هيلارى كلينتون المتحدثة عن ديمقراطية القاهرة لقمع المظاهرات وتدور عجلة الخفاء عبر بدء الاتصالات مع القوات المسلحة من خلف الرئيس التى كانت تنتظر ساعة التوريث الخاصة بها.
وصنع مشهد السقوط النهائى بتكلفة مصر فى غنى عنها وبدأت فوضى القاهرة الخلاقة ، انتقل فيها الرئيس عبر المشافى إلى السجن فى مشهد حزين لنهاية بطل من رجل اكتوبر وبدأ أن الجماعة التى تحكم مصر تريد الانتقام عبر معركة عبثية مع رجل يقترب من التسعين اعطت تعاطفا معه وجاءت لحظات المحكمة بين غير مصدق لتلك الدراما التى تعيشها مصر بين الادانة والبراءة والرغبة فى القصاص واستمر الوطن فى معاركه العبثية التى لا طائل منها من اول كلمة شهيد الملصقة بأى شخص حتى معركة محطة مبارك ام محطة الشهداء وللحق فالرجل اعطى للوطن ما يستحق أن تبقى المحطة بأسمه وفى عهده استطاعت مصر أن تتسامح مع تاريخها عبر حرية رأى جعلت الملك فاروق نراه من زاوية اخرى او حتى وضع محطة لمحمد نجيب لكن الجميع كان يحارب طواحين الهواء من اجل العبث واثبات وصفته الوحيدة الناجعة للتقدم ، وعبثية اعطونا فلوس مبارك ونعيش زى الخليج مما جعل الوطن يعيش بين مطرقة الجماعة وسندان المؤسسة العسكرية فى لعبة الغزل والحب ثم الصراع والدم عبر محاولة محو الجماعة بمطرقة المؤسسة.
وحتى حينما جاء ابن اخر للمؤسسة العسكرية بحنيه كلمات اعقبها بسياسيات اكثر يمينية من سياسات بطرس غالى جعل التعاطف مع مبارك السمة الاساسية واصبح الجميع يقول ولا يوم من أيامك يا أبو علاء !
عبر 8 سنوات من عمر انتفاضة يناير خسرت مصر معدلات نموها واستثمارتها وجذبها السياحى وعادت تطلب نصائح البنك الدولى وتزايدت ديونها بعد ان تركها مبارك بمعدلات نمو تقترب من 7% وديون خارجية لا تتجاوز 29 مليار دولار ودين داخلى يقلق لكن الوضع الآن تجاوز حدود القلق على الدين الخارجى والداخلى وانغمست مؤسسة كانت تعيش فى الظل فى داخل كيان الوطن وحرية اعلام تراجعت إلى حد الانحسار مع اعلام نظامى فج لايمتلك أى مهنية مقابل اعلام مأجور اكثر فجاجة فى الخارج واعتزل المصريين السياسة بعد أن ادمنوها لسنوات قليلة عبر 5 استحقاقات انتخابية تحولت إلى فنكوش ورقى واصبح الهم أن تحيا مصر حتى وان مات ابناء الوطن تحت قيادة طبيب الفلاسفة وعاصمته وطرقه وعنترياته والرجل يتحرك على عكس مبارك بسرعة وللأسف دون وعى ويعتبر أن دراسات الجدوى والتخطيط عبث!
المقال ليس تأريخا لحقبة مبارك ولكنه محاولة لألقاء لمحات ضوئية على فترة حكم استمرت ثلاثين عاما وربما كأغلب المصريين دعوة للترحم على الرجل الذى رغم اننى تمتعت ببطاقة انتخابية فى عهده استخدمتها اكثر من اربع مرات فى عهدة مرتين لأقول لأ ومرة للاعتراض على الجميع ومرة اخرى لتعديل دستورى فج على مقاس نجل الوريث ورغم ذلك وقفت فى مصطفى محمود مع أسف يا ريس حينما توحش منتفضى يناير وظنوا أن الوطن على مقاس معاييرهم هم فقط ومعاركهم العبثية فى الفوضى وليس البناء.
البعض يريدك مع او ضد لكن القليلون هم من ينشدون لهذا الوطن الرفعة والكمال هم من يريديون للوطن نهضة بابناءه بعيدا عن جماعات مصالح سواء دينية أو مؤسسية او حتى جماعة مصالح ماليه تلتصق بأى نظام استبدادى قائم لتحقيق مصالحها الآنية وليذهب الوطن للجحيم ، احلم يوما بأن يستطيع هذا الشعب أن يقول ماذا انجزنا تحت قيادة عبد الناصر او تحت قيادة السادات او تحت قيادة مبارك ماهى حصاد انجازاتكم الشخصية مبارك لم يصنع الفساد وحده لقد كنا جميعا شركاء فى فساد واهمال وكل منا يحلم بأبنه أن يرث وظيفته او حتى يورثها له بالفعل.
الموت غيب رئيسين لمصر فى عامين والنكتة الرئاسية المتداولة الآن هى البحث عن ميعاد وفاة الرئيس الحالى فلكيا ؟! ، ولا يوجد سوى الصراع العبثى حول هذا وذاك لا توجد تقييمات حقيقية لماذا انجز الوطن مازلنا نحمل الفكرة الفرعونية البسيطة بمحو ما يفعله كل أمير ووزير سابق ونبدأ على جديد دون تراكم خططى أو معرفى ، فليرحم الله الرئيس ولنحلم معا دوما على أمل أن الافضل لم يأت بعد ونعمل لنأتى بذلك الغد المشرق لوطن نستحقه يحمل الخير والنماء لنا جميعا بالعلم والعمل وإيمان حقيقى يعى تقوى الله فى الوطن وليس شكلا او وسيلة لتجارة الاغتراف من خيرات الوطن، فقط من أجل مصر.