Monday, July 17, 2023

مقابر تاريخية

المصريون أسسوا لفكرة الخلود قبل كثيرين أو ربما كانت لهم ديانات توحيدية قبل الجميع ربما من يقرأ كتاب الموتي ومتون الأهرامات يفهم كيف كان يفكر المصريون في البعث وعودة الروح وكيفية ارشادها في رحلتها في الحياة الأخرى ، سوف تقرأ نصوصا تتصور أنها جزء من ديانة سماوية مثل كل الكتب المقدسة التي في ايدينا قل عنها ميثولوجيا مصرية قل عنها مثل مصطفى محمود أنها ربما تكون ديانات لم تصل لنا اخبارها سواء توحيدية او حتى متعددة الألهة.

لذلك اهتم المصريون بفكرة القبور واعتبروها المرحلة الأولى في رحلة الميت الطويلة إلى العالم البعثي الآخر ، وخلدت مقابر الملوك الفراعنة في أقدم الآثار الإنسانية الهرم الأكبر وبقية الأهرام وربما ورث المصريون بالتبعية فكرة القبور وتزيينها ، ولا اعتقد أن وفق معلوماتي البسيطة أن هناك شعب آخر كان له هذا القدر من الاحتفاء بالمقابر ، ليس فقط خلال العصر الفرعوني لكن في العصور اللاحقة حتى حينما دخلت مصر الديانات السماوية المختلفة تجد أن شكل المقابر ربما وراثة عن المقابر الفرعونية حتى في طقوس العزاء والدفن والأربعين كلها متجذرة في الشخصية المصرية طوال فترات التاريخ  المختلفة.

ربما لذلك كتبت من قبل تدوينة مدفن صحي كجزء من فكرة الاعتناء التي يوليها المصريون للمقابر وكيف أنه أصبح عمل تجاري ضخم له ربحه يتمسح بالدين عبر مقابر شرعية ويتمسح بالثقافة المصرية التي لا اعتقد أنه يوجد احد يسمى المقبرة حوش أو حتى يجهز المقبرة للزيارات العائلية سواء في الأعياد أو حتى في المواسم المختلفة التى اخترعها المصريون ومازالت متجذرة في التراث الشعبي ربما تعود قليلا إلى طلعة رجب أو حتى "قرص" الميتين أو ما قالت عنه "كحك" الميتين آثار الحكيم في رائعة احسان عبد القدوس أنا لا اكذب ولكنى اتجمل وشاركها فيها الفيلم نجم مصر الراحل احمد زكي ، ربما تلك "القرص" أو الكحك أو يطلق عليه المصريون "رحمة" ربما جزء ايضا وضعه المصريون من قالب دينى في الديانة المسيحية يتعلق بطقس التناول لست بالطبع هنا في قضية مناقشة اديان ولكن دائما حينما ينظر المرء في الواقع المصري يحتار في تضفير المصريون لتفاصيل كثيرة في حياتهم هل هي فرعونية وثنية أم هي عميقة التدين وبها طقوس وشعائر الديانات السماوية وربما انطلق تقديس تلك المقابر في مرحلة لاحقة إلى ما نراه من تلك المقابر الإسلامية التي تحولت إلى مزارات حج ومقامات كان تقام لها موالد على مدار السنون وربما تناول الفن المصري فكرة تلك في مسرحية مولد سيدي المرعب التي تحاول القضاء على الجهل الديني أو حتى التعلق بالأضرحة وتلك الافكار شديدة العلمانية تتفق مع الفكر السلفي الذي انتشر وحاول كثير من اتباعه هدم المقابر بطول البلاد وعرضها وصارت حالة من الجدل الكبرى حول المقابر سواء كانت مقابر صالحين أو مقامات أو حتى "ترب" للعائلات في القرى والنجوع في بر مصر كله وحاولت بعض الجماعات السلفية مساواة تلك المقابر بالأرض أسوة بطرق الدفن الموجودة في المملكة السعودية بأعتبارها هى الطريقة السنية الصحيحة وسار جدل كبير في بر مصر كله ولم يقتصر هذا على هدم تلك المقابر بل تحريم الطقوس المصرية الخاصة بتلك المقابر بسبب هذا حتى رد الكثير من العلماء على الفكرة أن الأرض المصرية بطبيعتها في القرى والنجوع أراض زراعية رخوة لذلك هي تحتاج تلك الأبنية لحماية "عظم التربة" الكلمة التى عادة يرددها المصريون للحفاظ على التواصل بين الآسر كذلك أن زيارة القبور للعظة أمر لا ينهى عنه الدين رغم التحفظات السلفية وربما تلك الطقوس المصرية هي التى حكمت المجتمع المصري من التطرف الشديد أو ربما هي من جعلت المصريون لا هم سنة ولا شيعة بل هم يفهمون الإسلام كرسالة سماوية للتوحيد بعيدا عن التطرف ويقال في هذا العبارة التى ابتزلت من كثر ما قيلت مصر سنية المذهب شيعية الهوى.

كعادتي في الإسهاب أرجو أن لا أكون اطلت عليكم وعجزتم عن فهمي لكني منذ أيام حاولت الدخول إلى عالم كاتب جديد وهو الأستاذ خيري شلبي وهذا ثاني عمل اقرءه له واسمه "نسف الأدمغة" لكن لسخرية القدر القصة الطبعة التي لدي هي طبعة 2005 وهي تؤخر للقاهرة في فترة السبعينات إلى أوائل الثمانينيات حيث بداية تنفيذ طريق الاتوستراد في القاهرة وهو بالطبع طريق مواز لصلاح سالم ومحاولة لفتح طريق في سكتات القاهرة المرورية وذلك قبل افكار الطريق الدائرى وتجليات طبيب الفلاسفة في الإقليمي والأوسطي ، النكتة في الأمر أن الرجل كان يناقش هدم مقابر اثرية والتعتيم الإعلامي عليها في تلك المرحلة بل كان يناقش تلك الاحياء التي قامت على رماد المقابر أو حتى من يعيشون من خلال تلك المقابر بل أن هناك مقبرة شهيرة هناك كان بها جنينة تزرع بها الفواكه وكانت من كبرها بحيث أن من انتفع بها كان يتعيش منها ، وحينما قرأت تلك الرواية شعرت كيف أن التاريخ يعيد نفسه وأننا لا ندرك حجم التراث الذي كان لدينا وعبر مشاركتي في مرور عام على أرواح المدينة قابلت الدكتور مصطفى صادق وناقشته في هذه الفكرة وبالطبع الرجل يدرك ما حدث من قبل في بطن البقرة وحوش عيد أيام طريق الاتوستراد وأكد لي أن ما حدث لم يكن بحجم ما يحدث الآن.

للأسف الشديد مقبرة يحيى حقي كانت في طريقهما للإزالة لولا تدخل بعض الدول الأوروبية كذلك مقبرة طه حسين بينما لا احد يعرف إلى أي مصير سوف تؤول له مقبرة سامي البارودي ، الفكرة أن تلك المقابر بالفعل بعضها بني على تراث فرعوني وليس ضريح سعد منها ببعيد فهوس المصريين بالخلود أو أيمانهم العميق بفكرة الحياة الأخرى قبل جميع الأديان جعل للقبر مكانة خاصة عميقة بل أنني عبر ارواح المدينة رأيت كيف كان يتم الإكتتاب لبناء قبر مناسب لاحد الشخصيات العامة.

المشلكة أن المصريون يملكون تراث لا احد يعرف حجمه وهذا التراث ضخم عبر مقابر لأسر وشخصيات عامة وأثرية تدخلت الحكومة بعد اللغط الذي أثير في الرأي العام لكن ترى هل تتوقف عن الهدم أم انها توقف المشروع أمام الموجه العاتيه كما حدث من قبل

مازالت مشكلتنا أننا نتعامل مع تاريخنا ومع آثارنا كما كتبت من قبل في تدوينة كنز الضريح ، وربما كان صديقي محقا حينما أخذ ينكت علي في فكرة عودة تمثال نفرتيتي لمصر ويقول أنها في مكان أفضل.

ترى هل نعي ما لدينا من تراث أم أن أسفلت الطرق سيصبح أهم من التراث كما كان أهم كثيرا من أرواح ناس اريقت عليه ، هل تحقق جهود دكتور مصطفى الصادق وفريقه والمهتمين معه وتوقف معاول الهدم.

اذا كانت الدولة محقة حقا فهناك جهاز توثيق التراث الحضاري التابع لمكتبة الإسكندرية التي لا أعرف لماذا لم يتدخل حتى الآن في هذا الأمر أليس هذا تراثا حضاريا يحق له التوثيق .

أم ماذا يفعل جهاز التنسيق الحضاري من اجل حماية هذا التراث أم يكتفي فقط بوضع كان يسكن هنا فلان الفلاني ربما توثيق هذه المقابر في رقبة تلك الأجهزة ومن قبلها رقبة الحكومة وتحية لكل جهد مخلص في هذا المجال سواء أعرفه كالدكتور مصطفى الصادق أو كان جندي مجهول كآخرين ، ولعل تلك الأجهزة يكون لها جهد حقيقي وليس كما قلت من قبل مجالس عليا للبطيخ المنجاوي!

No comments: