Saturday, July 23, 2022

فى جنينة المانجو


الجيل الذى من سنى والذى الآن على عتبه الخمسين تعود على العمل منذ الصغر فى اجازة الصيف وكانت اول تجربة عمل لى فى جنينة المانجو ،كان احد اقاربنا يؤجر مع شركاء له مزرعة مانجو عبارة عن 300 فدان وبها ايضا شجر موالح وكان يفعل ذلك لسنوات عديدة فى اماكن مختلفة وكانت بالنسبة لنا كلمة جنينة المانجو هى فسحة تعودنا عليها منذ الصغر حيث نذهب على الأقل مرة سنويا إلى تلك الجناين لقضاء يوم عادة كان يكون فى شم النسيم وكان احلى حاجة اكل المانجو فى الجنينة اكيد موش بطريقة أمينة شلباية.
لكن قبل نهاية المرحلة الابتدائية ذهبت إلى هناك للعمل لمدة خمسة عشر يوما فى العام التالى قضيت 40 يوما تبدو أول رحلة لى بعيدا عن الأسرة وكانت اول فرصة عمل.
فى العام الأول كانت مهامى بسيطة على أن ارفع المشنات الفارغة فقط من المفرش فى العام الثالى كنت احد مع تربيط الأقفاص ..دعونى اشرح لكم يجب شرح برنامج العمل فى الجنينة حتى تفهموا التفاصيل بداية المشنة هى عبارة عن وعاء كبير عادية يكون من خوص والمفرش هو مكان يشبه ما يعرفه الناس الآن بكلمة البرجولا وهو عبارة عن مكان مسقوف بأعمدة وأسقف خشبية.
بداية لو تكلمنا عن برنامج الأكل فعلينا الاستيقاظ مبكرا جدا ثم بعد ذلك يتم عمل الفول الذى يتم تقطيع الكثير من الخضر والطماطم وتحويجه بواسطة احد الاقارب ثم نفطر ونبدأ العمل.
كان العمل يبدأ بوصول افراد من القرى المحيطة ويتم تقسيمهم فى مجموعات وتسمى فرق الشت وتتكون من بنات واولاد ،هذه الفرق كان دورها هو تقطيع المانجو او لمها من اسفل الشجر حسب ظروف كل نوع وبالطبع كل فرقة لديها قائد مجموعة ومحظور الأكل من المانجو تماما ومن يفعل ذلك يعاقب عقابا شديدا .. المانجو تجمع فى مشنات وتقوم الفتيات بنقل تلك المشنات إلى مكاننا فى المفرش مليئة بالمانجو توضع المشنة للفرز من قبل من يفهمون انواع المانجو حيث يتم تجميع الأنواع وتفرز المشنات فى أطباق صغيرة والطبق هنا عبارة عن طبق كبير نسبيا بالمقارنة بأطباق الطعام وهى أيضا مصنوعة من الخوص وكان دورى فى العام الأول رفع المشنات الفارغة بعد الانتهاء من الفرز وتحميل كل بنت مشنة عند الرحيل ويتم الفرز لأنواع المانجو هذه هندى وهذه تيمور أو زبدية او عويس او الفونس او حتى بلدى او مبروكة أو قلب الثور أنواع من المانجو كثيرة جدا وبعض هذه الأنواع له درجات هندى واحد واتنين وثلاثة تيمور سادة وبدمعة أسماء كثيرة لو ظللت اكتب لكتبت لأوقات كثيرة بعض الأقارب كان يقول أن الأنواع قد تصل إلى 360 نوع ! يتم نقل الاطباق إلى من يعبون المانجو فى اقفاص وعملية التعبئة فى الاقفاص عملية معقدة فى البداية هناك من يقوم توريق القفص أى وضع افرخ جلاد داخل القفص كذلك آخر دور فى القفص يكون هناك ورقة بينه وبين باقى القفص وهناك من يرص المانجو داخل القفص حيث أن وش القفص يجيب أن يكون فاخرا ليس معنى ذلك أن فى الأسفل ردئ لكن يجب وضع الثمرات بطريقة مرتبة وكذلك يجب أن تكون بشكل متجانس ولا يجب أن تكون مرتفعة عن حرف القفص كذلك هى وسيلة البيع فى مزادات السوق حينما يتم نقل المانجو إلى السوق الكبير الذى كان بالقرب من منزلى سوق روض الفرج والآن أصبح سوق العبور !
عقب عملية التعبئة تنقل الاقفاص إلى مجموعة التربيط وكان هذا دورى فى العام الثانى ويتم تربيط القفص من اربع جهات وعملية التربيط هى أيضا يتم قص خيوط الدوبار بطريقة معينة ومقاسات ثابتة لربط القفص بغطاءه من أربع أماكن بعد ذلك يتم رص الاقفاص كل نوع فى مكان حتى يتم نقله بعد ذلك إلى السيارات عملية معقدة افادتنى كثيرا فى فهم فكرة الخطوة فى العملية الصناعية كذلك كنت اطبقها فى مكتبى ببساطة حيث يقوم كل شخص بعمل جزء من العمل فقط وليس كل العمل وهذا يزود الإنتاجية وربما كان هذا مزعجا لمن يعملوا تحت رئاستى طوال الوقت حيث كان تعليق احد المديرين السابقين حينما زارنا أنه حينما يدخل الغرفة دوما يجد كل واحد مشغول حاولت حينها شرح فكرة الخطوة الصناعية لكنها كانت بعيدة جدا فى تفكيره.
لتعرفوا حجم العمل اليومى كنا نخرج ما يزيد عن 6 سيارات جامبو كبيرة يوميا من المانجو ،رحم الله اقارب لنا اشركونا فى هذا العمل كمؤجرين ورحم الله زملاء عمل تذكرتهم جميعا وأنا فى وداع احد اقاربنا حينما كنا نواريه الثرى ،وتذكرت تلك الذكريات الكثيرة الجميلة حيث كنت هناك كحالة توم وجيرى فى الفيلم الخاص بفأر المدينة وفار الريف حيث كنت فأر المدينة الذى يخاف من كل التفاصيل حيث لم تكن فى الجنينة ايه نور سوى نور الكلوبات وكانت هناك عدد لا يحصى من الحشرات وانواع لا اعرفها اذكر منها ما كانوا يطلقون عليه كلب البحر وكانت المرات الأولى التى ارى فيها "فرقعلوز" الحشرة التى كانت تطقطق وكنا نقول انك تستطيع أن تسألها عن الساعة وهى تطقطق برقم الساعة ؟:! وكنت حتى اخاف ان اذهب إلى دورة المياه وحيدا ليلا وحتى السير بعيدا لعمل مثل ما يفعله الناس فى الشوارع !
كان العمل يستمر حتى المغرب وكانت الوجبة النهائية والأساسية فى اليوم قد تحتوى على لحوم لمدة يومين فقط يقوم بطهيها بعض بنات القرية لفريق العمل داخل المفرش ،وكانت أمسيات بديعة تستطيع فيها أن ترى السماء كما لم تراها من قبل وتستطيع أن تحصى كل مجموعات النجوم التى لم يراها أحد إلا فى الكتب بل من الممكن ان تلاحظ حركة قمر صناعى بسبب دورانه بشكل مختلف ، كذلك كان من الممكن أن تأكل من المانجو المفروزة للطعام ليلا وكانت اجمل طرق تقطيع المانجو واكلها بطريقة مهذبة ليست مثل أمينة شلباية طبعا لكنها كانت طرق جميلة وذكريات اجمل تمر فى رأسى...
كان هناك وجبة فى منتصف النهار أيضا ومعها راحة حوالى ساعة حتى نعيد استئناف العمل تفاصيل كثيرة ربما ليست مرتبة ولكنها كانت جميلة رحم الله الاصدقاء والأهل والخلان تذكرت هذا حينما قابلت الجميع فى هذا الحدث المؤسف لكننى سعدت برفاق العمل القدامى الذى بعضهم أصبح صاحب أرض وبعضهم عمل فى مجالات مختلفة لكن دوما كنا معا فى جنينة المانجو!

No comments: