- اليوم حاولت جاهداً التخلص من فكرة الكتابة تلك ، فقد أردت أن أتوقف عن مخاطبتك الآن وإلى أن نتقابل ، حاولت أن أعود لأحيا بمفردى .. ولكننى لم أستطع أن أتركك للحظة ، حاولت التغيب عن لقائنا اليومى .. فلم أستطع التأخر عن الميعاد ، وحاولت أن أمتنع عن الانشغال بك .. فوجدت أننى لا أستطيع أن أفكر إلا فيك ، حاولت أن أستيقظ من حلمى .. ولكننى وجدته هو الأكثر حقيقة بين كل أحداث حياتى ، حاولت أن أتوقف عن رؤياك فى خيالى .. فوجدتنى أتخيلك فى كل لحظة ، حاولت المضى بعقلى بعيداً عنك .. فوجدتنى أقترب منك أكثر وأكثر ، وحاولت إبعاد روحى عنك .. فأحسست أننى أكاد أفارق الحياة ، حاولت.. وحاولت .. ولكننى لم أستطع.
- وأثناء محاولاتى المتعددة للهروب من أحلام اليقظة .. وجدتنى أصحو على صورتك ، لقد بدأت تتضح أمامى صورة لك .. ليست صورة فوتوغرافية .. بل صورة مرسومة بعناية ، أنا لم أقم برسمها من نسج خيالى ، ولم تكن صورة شبيهة بأحد آخر بل هى صورتك أنت.
- إنَّ أشهر لوحات الرسم على مدى العصور .. ليست تلك التى تتميز بدقة التفاصيل أو براعة الخطوط أو تناسق الألوان ، بل هى تلك اللوحات التى عندما نشاهد إحداها نجدها.. وقد اصطحبتنا إلى أجواءها .. ولنجد أنفسنا نعايش شخصياتها .. فنحس بهم ونلمسهم بل ونسمعهم أيضاً ، مشاهدة لوحة من تلك اللوحات تكفى لأن نسافر عبر الزمان والمكان لنتوحد مع زمن وأحداث وشخصيات تلك اللوحة.
- أعتقد أنَّ أهم ما يميز الرسم عن التصوير الفوتوغرافى هو أنه ينقل للمشاهد مشاعر الرسام بالكامل لنجدنا وقد أنصتنا إليه وهو يحدثنا بريشته ، وعندما يصلك الإحساس الذى صاحب الرسام أثناء رسمه لشخص ما .. فإنك تجدى أن كل ما يعرفه عن هذا الشخص قد انتقل إليك.
- وبقدر معرفة الرسام بالشخص الذى يرسمه .. يكون قدر تعرفك على هذا الشخص ، فربما تدركى أنه قاسى أو كريم أو حاد الطباع أو حكيم ، بل وربما تطّلعى على ماضيه ومعاناته فى طفولته ، ربما تكتشفى المرض الذى يعانى منه .. ولكنه يحاول التماسك وعدم إظهاره أثناء رسم اللوحة ، وربما تفضحى خيانته لأحد الناس ، أو تشفقى عليه لعذابه من غدر الآخرين.
- بينما كنت دائماً ما أستمتع بالإبحار فى اللوحات المرسومة وشخصياتها ، فإننى غالباً ما كنت أتجنب مشاهدة الصور الفوتوغرافية الملتقطة للأشخاص ، وبالأخص صور الأشخاص الذين تربطنى بهم علاقة ما مثل القرابة أو الصداقة ، إنَّ الصور تلتقط كافة التفاصيل الخارجية وبدقة فأجد وصف للمكان وملامح الشخص .. ولكن ما أهمية هذا بالنسبة لى ؟ فإذا كان هذا الشخص محبب لى فأنا أرى ملامحه أجمل بكثير من تلك التى تحملها الصورة ، أما إذا كان هذا الشخص من الذين لوّثتهم الحياة ولوّثوها بدورهم فأنا بالتأكيد لا أريد أن أتذكر حتى وجهه.
- ربما تصلح الصور الفوتوغرافية لاسترجاع الذكريات بتفاصيلها الدقيقة ولكننى أفضل أن أحتفظ فقط بأهم ما فى الذكريات وهو الإحساس الذى راودنى حينها.
- أعمق الصور هى المرسومة ، فهى تنقل تفاصيل المشاعر أكثر من تفاصيل الشكل ، وكلما تعمقت الصورة كلما اقتربت من شخصية صاحبها ، واقترابنا بشدة من شخصية أحد يجعلنا نقترب من روحه ، وأكثر الصور عمقاً على الإطلاق .. هى التى تجىء بروح الشخص إلينا ، أكثر الصور عمقاً .. هى تلك التى رأيتك فيها ، فقد أحسست بروحك تلازمنى ، وأحسست أنها تنتظر لقائنا لتجتمع مع روحى للأبد.
- ربما تكونين الآن على بعد عشرات بل مئات الكيلو مترات ، ولكن الأرواح لا تتقيد بالمسافات المكانية أو الزمانية ، أنا أعلم تمام العلم أنَّ الأرواح تكون ملازمة للجسد ، ولكننى أتحدث عن الجزء الحر منها ، الجزء الذى يسافر ليطمئن أم على ولدها الغائب ، الجزء الذى يسافر إلى الماضى ليلاقى الأحباء الذين فقدناهم ، والذى يسافر إلى المستقبل ليرينا أحلامنا ويجذبنا إلى الأمام لنحققها ، إنه الجزء الذى لا يقيده مرض أو حزن ، عندما يمكث هذا الجزء معنا ويتوقف عن الذهاب والمجىء فإنه يكون إيذاناً برحيل الروح بأكملها ليفارق الإنسان الحياة.
- ربما تجدى أننى إنسان مبالغ فى التعبير أو غير صادق فى كلامه ، ولكن إذا أمهلت نفسك ثوانى معدودة .. تغلقى فيها عيناك وتتوقفى عن التفكير فى أى شىء ، عندها ستجدى الجزء من الروح الذى أحدثك عنه وهو يحلق من حولك ، إنه جزء الروح الحر الخاص بى والذى أصبح الآن ملكك.
- لم أحاول التوقف عن الكتابة اليوم إلا للتخفيف عنى ، فكتاباتى تلك تزيد من شوقى للقائك ، والذى أتمنى أن يكون فى أقرب وقت ممكن ، هل من الممكن حقاً أن أقابلك بعد عشرة أيام ؟ أتمنى هذا من كل قلبى ، ولكن عشرة أيام فترة طويلة جداً أتمنى أن يعيننى الله على تجاوزها وألّا تزيد عن ذلك للحظة واحدة ، إننى لم أرغب من قبل فى أى شىء بالقوة التى أرغب فيها الآن بلقائك ، ولم أنتظر حدث مثلما أنتظر هذا اللقاء ، إحساسى بوجودك معى يجعلنى أتمنى رؤية صاحبة هذه الروح ، أتمنى مبادلة عمرى القادم بلمحة من الزمن أراك فيها الآن ، أريد أن يسرع الزمن حتى لقائك ثم يتوقف حينها ولا يتحرك إلا ونحن سوياً ، هل سأتحمل الانتظار حتى الموعد المنتظر ؟ أتمنى أن أتحمل ذلك ، وهل سيتحمل قلبى فرحة لقائك ؟ أرجو أن يتحمل هذا ، هل ستتحمل عينى بُعدك عنها بعد أن تراك ؟ لا لن تتحمل هذا العذاب للحظة واحدة ، وهل ستتحمل أذنى سماع صوت آخر بعد سماعها لصوتك ؟ من الآن أذنى لا تسمع أى صوت فهى فى انتظار سماع صوتك ، هل سأستطيع التعبير عن مشاعرى كما أحس بها ؟ أتمنى أن تشعرى بحبى بنفسك .. لأننى لن أستطيع التعبير عن ذرة من كون حبى لك ، لن أقوى على تكملة الكتابة الآن فدقات قلبى تتزايد وكأننى أعدو بكل سرعة ، سأخلد للنوم فربما أقابلك فى أحلامى لتخففى عنى ، فربما يكون لقائنا الأول الليلة لتبدأ أول فصول القصة الأروع من بين كل قصص الحب.
Monday, April 10, 2017
تسعة عشر يوما(اليوم التاسع)(يوسف محمد)
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment