- لمرة أخرى .. حاولت اليوم عدم الكتابة إليك ، ومرة أخرى وجدتنى أغادر الحياة بكل ما فيها ، أردت أن أستثمر لقائى بصديق فى الانشغال عن الكتابة لك ، أردت أن أوقف عذاب الكتابة وما تفعله بى ، وأثناء انتظارى للقاء الصديق لازمنى الحزن الشديد لعدم محادثتك ، مر الوقت بى وجبال الهم تجثو على صدرى ، فلقد منعت نفسى عن الكتابة فمنعتنى عن التنفس بدونها ، وأخذت أتردد بين التوقف عن الكتابة وبين العودة للحياة حتى قابلت صديقى ، طوال اللقاء لم أتحدث إلا عن كتابتى لك وحلمى بلقائك ، فها أنا أهرب منك إليك ، انتهى اللقاء وعدت للمنزل مسرعاً كى أكتب لمن تحيا بها نفسى ، وقبل أن أعد للكتابة والحياة .. إتصل بى أحد الأصدقاء ليخبرنى أن صديق لنا مريض بشدة ، ذهبنا للاطمئنان عليه ولكن روحى ظلّت ملازمة للمنزل ومنتظرة معاودة الكتابة ، أثناء الزيارة كنت كالميت الذى يستعد من حوله لتغسيله ، كنت أسمع وأرى ولكن لا أشعر بأى شىء ، أردت أن أطلب من صديقى ورقة وقلم لأكتب لك فلم أكن أستطيع الابتعاد أكثر من ذلك ، ولكننى آثرت الانتظار حتى أعود للمنزل لأحادثك على انفراد ، لا أستطيع الكتابة أمام أحد فربما يقرأوا فى عينى ما أكتبه ، ربما يروا مشاعر الحب وهى تدثرنى أثناء محادثتك ، والمؤكد أنهم سيلحظوا دموع حنينى إليك.
- وها أنا عدت لأتنفس عبر مكاتبتك ، عدت لأكمل الحلم الذى نسجته لنفسى ومتمنياً أن أرتديه كحقيقة يراها الجميع ، أتمنى أن تشهد كل القلوب لقائنا ، فتشهد عندها بتفرُّد حبنا وهو يجمع بين شطرى القلب الواحد ، لنصبح قلب واحد وروح واحدة للأبد ، إننى لا أقوى على الحراك الآن بدونك ، بل إننى لا أقوى على عدم الحراك أيضاً.
- أريد التحدث معك فى الكثير من الأمور الحياتية ولا أعرف بأيُّهم أبدأ ، أنا لست بعالم اجتماع أو فيلسوف ولكننى فقط إنسان تمر بخاطره الكثير من الأفكار ، فأنا أحب أن ألاحظ ما يحدث من حولى ثم أبدأ بعد ذلك فى محاولة تحليل تلك الأحداث تحت ضوء كل المعطيات الممكنة ، أحاول أن أحصل على تفسير لتصرفات الإنسان المختلفة ، وأثناء ذلك كنت دائماً ما اُصدم بحقيقة غريبة جداً ، إنَّ الإنسان غالباً ما يسلك الطريق الخاطىء ، غالباً ما يُحمِّل نفسه أثقال هو بغنى عنها ، فيترك ما يحتاجه بالفعل ليستعين بما يعيقه ، يترك الطيب ليتمسك بالخبيث ، بل ويعدو بكل ما أوتى من قوة نحو هلاكه ، هل الإنسان أحمق ليتصرف مثلما أصفه ؟ أم إننى أتجنى عليه ؟ ليس بأحمق ولست أتجنى عليه ، ولكن الإنسان يفعل ذلك بصورة غير مباشرة ، يفعل ذلك وهو يرى أنّه على صواب ، وهو نفسه الذى يرى بعد ذلك أنّه كان مخطىء ، هذا ما يسميه الناس بخبرة الحياة ، إنّها الشعلة التى تستمد طاقتها من الماضى لتضىء طريق الحياة فيما بعد ، سعداء الحظ هم من يضاعفوا طاقة تلك الشعلة عن طريق هدى الدين وحكمة القدماء وخبرات الآخرين ، بينما تعساء الحظ هم من لا يُمدّوا تلك الشعلة حتى بخبراتهم ، وما بين درجات الحظ من وافر وشحيح تتراوح درجة اتقاد الشعلة لتزيد أو تقل درجة وضوح طريق الحياة أمام المرء.
- ربما اذا استرجعتى واقعة معينة حدثت لك منذ زمن ثم حدثت واقعة مثلها ولكن بعد ذلك بسنين ، غالباً سوف تجدى أنَّ استقبالك للواقعتين قد اختلف ، وربما يكون قد اختلف تماماً ليصل إلى حد النقيض ، لماذا هذا الاختلاف رغم تشابه الواقعتين ؟ إنه بسبب اختلافك أنت ، ففارق السنين بدل من الفكر بل ربما بدل الشخصية نفسها.
- رغم أنه من الطبيعى تطور المرء إلى الأفضل ، ولكن لا يحدث هذا فى أحيان كثيرة ولأسباب متعددة ، ففى خلال رحلة الإنسان فى الحياة يفقد الكثير من فطرته التى خلق عليها ويكتسب الكثير من العادات السيئة والتى تضره هو قبل غيره ، يفقد البراءة ليكتسب الخبث ، ويتخلى عن السعادة ليجلب التعاسة ، بل ربما يتنازل عن الآخرة ولا يحصل على الدنيا ، إنه يترك كل شىء من أجل لا شىء.
- هل يحدث هذا حقاً ؟ ومتى يحدث؟ بل وكيف يحدث ؟ بالفعل يحدث هذا للكثير والكثير من الناس إلا من رحم ربى ، ويحدث طوال الوقت وفى مختلف مراحل العمر ، أمّا كيف فتلك هى المعضلة ، ففى كل لحظة يواجه الإنسان مفترق طرق ، وكلما سلك طريق كلما تبدل فيه شىء ما ، وبغض النظر عن حسن أو سوء التغير فإننا لا يمكن أن ننكره ، ومن المنطقى أننى عندما أسلك طريق صحيح فإن التغير يكون للأفضل ، وعندما أسلك طريق خطأ فإن التغير يكون للأسوأ ، وتلك الطرق والتى يواجهها الإنسان معقدة تماماً ، فربما بعد سلوكه لمئات من الطرق الخاطئة.. يسلك الإنسان طريق واحد صحيح ليجد نفسه وقد تجاوز من يسلك منذ زمن بعيد الطرق الصحيحة ، والعكس صحيح أيضاً .. فقد يظل الإنسان طوال عمره يسلك الطرق الصحيحة وينهى عمره بسلوكه لطريق خطأ فيتأخر عن من ظل طوال حياته من رواد الطرق الخاطئة وأعوذ بالله أن أكون أو تكونى منهم.
- ومع كل طريق خطأ يسلكه الإنسان يتغير للأسوأ ، مما يجعله عند المفترق التالى أكثر عرضة لأن يسلك طريق خطأ آخر ، ويزداد هذا الاحتمال بمرور الوقت وبزيادة الطرق الخطأ التى يمر بها الإنسان ، حتى تكاد أن تصل نسبة سلكه للطريق الخطأ إلى المئة بالمئة ، ولكن رحمة الله واسعة فعندما يكاد الإنسان أن يحكم على نفسه بالضلال الأبدى نجد أن الله قد يرشده لطريق صحيح فينقذه من نفسه.
- فى اعتقادى .. أنه لا يوجد من لا يسلك طريق خطأ ، لذا فهنالك التوبة والتى تعود بالشخص إلى مفترق الطرق السابق لهذا الطريق الخطأ ، وهناك أيضاً الاستغفار والذى يزيل التغير السىء الذى حدث للشخص أيضاً نتيجة سلكه لهذا الطريق الخطأ ، وما بين طريق صحيح وحمد لله عليه وما بين طريق خطأ وتوبة واستغفار عنه تكون الحياة ، مفترقات الطرق التى أقصدها ليست الرئيسية فقط والتى نواجهها عند حدوث أمر هام ومؤثر ، ولكنى أقصد كل حالة اختيار نمر بها والتى قد يصل عددها للمئات فى اليوم الواحد.
- فمثلاً فى طريق ذهابك إلى إحدى صديقاتك وتمرى بمسن يسير بالكاد فربما تسرعى لتتجاوزيه بدون أى اهتمام ، وربما تبطئى من خطواتك كى لا يشعر بالحرج ، ربما تحمدى الله على صحتك وتدعى بعدم زوالها ، وربما تعرضى عليه المساعدة فى حمل ما معه من حقائب ، وربما تلقى عليه بالتحية فقط ، وربما تتذكرى عزيز عليك يمر بنفس الحالة أو يعانى من المرض فتقررى زيارته عن قريب ، وأثناء السير ربما تسرعى من خطواتك لتصلى مبكرة وتقضى مع صديقتك وقت أطول ، وربما تتباطئى لتتيحى لها وقت للاستعداد لمجيئك ، وربما تختلف سرعة سيرك مع الوقت لتحافظى على وصولك فى الميعاد ، ربما تتوقفى لشراء حلوى من أجل أختها الصغرى ، وربما تشترى هدية خاصة لصديقتك ، وعندما تقتربى من منزل صديقتك ربما تتذكرى حدث طيب مر بكما فتجدى نفسك مبتسمة ومتشوقة لرؤيتها ، أو ربما تتذكرى تصرف سىء بدر منها فتقررى معاتبتها عليه ، وربما تغضبى منها لتجدى نفسك وقد قررتى عدم الذهاب إليها ، وإذا قررتى ذلك فربما تطلبيها فى الحال للاعتذار أو تؤجلى الاتصال حتى تعودى للمنزل ، بل وربما تقررى ألّا تعتذرى وتنتظرى منها أن تتصل هى بك لتطمئن عليك لعدم ذهابك إليها ، وربما يزداد الغضب أكثر فتقررى ألّا تتصلى بها أبداً بعد الآن ما دامت لم تتصل بك ، ماذا حدث لينهى تلك الصداقة ؟ لا شىء إنها مجرد سلسلة من الطرق الخاطئة التى سلكتيها ولم يكن لصديقتك أى ذنب فيها.
- خلال المثال السابق لم أستطع أن أذكر ولو واحد بالمئة من الاحتمالات للطرق التى يمكن أن تسلكيها فقط أثناء ذهابك لصديقتك ، فبعد كل مفترق طرق يوجد مفترق آخر ، وتتشعب الطرق وتتنوع ما بين كل درجات الصواب والخطأ ، ومهمتنا نحن أن نختار الطريق الصواب ونسلكه ، وأن ندرك الطريق الخطأ ونتجنبه.
- وفى غمار الحياة غالباً ما يختلط على الإنسان الصواب والخطأ ، بل وينسى الغرض من كل هذا الذى يقوم به فى حياته ، فنجده قد يقضى حياته بأكملها فى الجرى وراء المال وخزنه ثم يفارقه عند الموت ليتركه لمن بعده ولا يبقى معه إلا المسائلة عن كيف جمعه وفيما أنفقه ، وقد ينسى الإنسان خالقه فينسب الفضل فى نجاحه إلى نفسه ، أو يعصى الخالق ليُطِع المخلوق ، وربما لا يركع أو يسجد لله بينما تنحنى الرأس طوال الوقت لذوى النفوذ القوى ظاهراً والواهى حقيقةً .. فالقوة والسلطة والنفوذ كلها بيد الله ، بل إنَّ الأمر كله بيد الله سبحانه وتعالى ، ليس اتباع الطرق الصحيحة فطنة من الإنسان .. ولكن هى نعمة يمن بها الله على من يشاء ، ولكن من واجبنا أن نجتهد للوصول للصحيح والابتعاد عن الخطأ .. فليس من المعقول أن أعبر الطريق وسط السيارات وأنا مغلق العينين ، وعندما تصدمنى إحدى السيارات أنفى عن نفسى بعدها تهمة الانتحار ، يجب أن نحاول على قدر المستطاع ، ويجب أن يزيد اجتهادنا بمرور الزمن ، ويجب أن تتسع رؤيتنا بمرور العمر حيث نستفد من خبراتنا السابقة ، ويجب أيضاً أن ندعو الله فى كل وقت أن يجنبنا شرورنا قبل أن يجنبنا شرور الآخرين ، أتمنى أن يصلك ما قلت .. وأن تضيفى إليه من فكرك لنعين بعضنا على تجاوز خداع الحياة المستمر والملازم لنا ما دمنا نحيا على سطح الأرض ، وأرجو الله وأدعوه من كل قلبى أن يهدينا بفضله إلى الطريق المستقيم.
- يوسف محمد
Friday, April 14, 2017
تسعة عشر يوما (اليوم الرابع عشر)(يوسف محمد)
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment