- بعيداً عن العاطفة سأحاول اليوم تلخيص مراحل حياتى لتتعرفى على شخصى أكثر ، أنا شخص حالم وخجول وانطوائى طوال عمرى ، أهوى القراءة والأنشطة الذهنية وفنون القتال ومشاهدة الأفلام منذ الطفولة ، كنت مجتهد فى الدراسة منذ الصغر بل وكنت أستمتع بالمذاكرة ، ولكن كلما تقدم بى العمر كلما قل مجهودى الدراسى حتى تخرجت كمهندس عادى وليس متفوق.
- فى سن الثالثة عشر وحتى عامى الثلاثين سيطرت فنون القتال الصينية على تفكيرى تماماً ، أثناء تلك الفترة كان حلمى الأول أن أتفوق فى تلك الفنون وربما تكون عملى أيضاً ، كان هذا الحلم هو المحرك الرئيسى للعديد من قراراتى ، فمثلاً أثناء الدراسة كانت كل أوقات الفراغ والأجازة الصيفية مخصصة لتلك الفنون ، أيضاً بعد التخرج رفضت الالتحاق بأى وظيفة تستهلك اليوم بأكمله لأتيح لنفسى وقت كاف لهوايتى الرئيسية ، نسبة ضئيلة من هذا الوقت كانت للتمرين بينما أغلب الوقت كان لقراءة أى شىء عن تلك الفنون أو مشاهدة أفلام عنها أو حتى مجرد الأحلام بها وبسحرها ، منذ سن الثلاثين بدأ اهتمامى يقل تدريجياً حتى أصبح الآن اهتمام عادى ، بل أحياناً أمقتها حيث أن ولعى بها له دور رئيسى فيما أصبحت عليه الآن.
- كنت دائماً ما أحب أن أقص الحكايات ، وفى فترة الدراسة الثانوية قررت أن أؤجل اهتمامى بالكتابة لبعد التخرج والعمل ، فقد كنت أريد أن أدرس الأدب فى البداية لفترة طويلة لأبدأ بعدها ممارسة هواية الكتابة على أسس سليمة ، أيضاً أنا من القلائل الذين لا يستمتعوا بالذهاب إلى الحدائق أو الشواطىء .. فنزهتى المفضلة هى السينما والتى أعتبرها رحلات السفر الخاصة بى.
- أحرص على انتقاء الأصدقاء فأنا أبحث عن صديق حقيقى وليس مجرد صُحبة ، فأنا أحب أن أتصرف بطبيعتى وأن أتحدث بصراحة وكذلك الشخص الذى أتعامل معه يجب أن يعاملنى بالمثل ، فمجرد كذبة ضئيلة .. حتى ولو كانت مجاملة لى تجعلنى أتضايق وربما أتوقف عن الكلام وأحياناً تدفعنى إلى مغادرة المكان فى أسرع وقت ، فالمتعة التى ظللت أستمتع بها منذ الصغر وحتى وقتنا هذا هى أن أتحدث من القلب لشخص ما وأن أنصت له وهو يحادثنى أيضاً من القلب ، هذا الحوار المنبعث من القلب هو أكثر شىء يمكنه أن يخفف عنى أى حدث يمر بى ، ولكن للأسف كلما تقدم الإنسان فى العمر كلما قل كلامه الذى يخرج من القلب ، ولا أعرف لماذا محاولات إظهار شىء مخالف للباطن عند أغلب الناس ؟ ولماذا تزيد هذه المحاولات عند أشخاص كانت من قبل موجودة عندهم بنسبة ضئيلة.
- كان حبى للمال مثلى مثل الآخرين ، بل ربما فى طفولتى كنت أرغب أن أمتلك الملايين ، وفى الفترة من سن الرابعة عشر وحتى الخامسة والعشرين كان اهتمامى بالمال قد قل إلى حد كبير ، وبعد تلك الفترة كنت أريد المال بشدة ليس حباً فيه ولكن لأننى وجدت أنه مقياس النجاح عند أغلب الناس ، فكنت حينها أريده لأثبت للآخرين أننى إنسان ناجح وبدرجة كبيرة ، أمّا الآن ومنذ خمسة سنوات وأنا فى حالة غريبة جداً فقد أصبح المال لا يعنى لى أى شىء ، ورغم أننى على يقين أنه هام للغاية لكننى وجدت أنه لم يصبح له معنى ، إننى الآن أريد المال ولكن فقط كى أحيا فهو لم يعد يجذبنى على الاطلاق ، حتى أنَّ جمع المال لم يعد يعنى لى ولو نسبة نجاح ضئيلة ، هذا الشعور الغريب والخطير قضى على الشعرة التى كانت تربطنى بشروط تحرُّك العالم ، فأصبحت أشاهد الدنيا من على بُعد وكأنها شريط سينمائى ، حتى عندما كنت أرغب فى المال .. لم أكن أتنازل عن وجهات نظرى ، ولكن مع الرغبة المنعدمة فى المال أصبحت لا أتنازل عن ذرة من مفاهيمى بل وأضيفت لى مفاهيم وشروط جديدة.
- الهدف من العمل تبدل مع مرور الوقت ، ففى البداية كان العمل من أجل المال الوفير ، ثم أصبح العمل من أجل توفير المال للمعيشة مع الحفاظ على توازن الحياة من ممارسة هوايات والمحافظة على الصحة ، ثم أصبح العمل من أجل المال الوفير للتأكيد على التفوق ، وبعدها عاد ليصبح من أجل المعيشة فقط وبدون حتى ممارسة أى هواية ، ثم انقلب ليصبح عمل من أجل إيصال رسالة وحتى لو كان مردود المال فى أضيق الحدود ، رغم أننى أرى الحالة الأخيرة هى الأفضل إلا أنها ممزوجة عندى بالتدقيق الشديد فى نوع الرسالة وبالتردد وبنفاذ صبرى مما يجعلها صعبة التنفيذ.
- فقد كنت أرغب أن أكون مهندس يمتلك عدة شركات فى مجال الهندسة وأى مجالات أخرى يمكن أن تدر ربح ، ثم تعدلت الرغبة لتصبح الشركات مصانع فقط وتقدم سلعة جيدة للناس وتخدم اقتصاد بلدى ، ثم أصبحت الرغبة أن أصبح فقط مهندس مميز فى عمله مع ممارسته لعدة أنشطة أخرى من كتابة وممارسة رياضة ، ثم تبدلت لتصبح شخص يقوم بعمل مميز جداً فيجنى المال الوفير .. وربما يهاجر للخارج ليثبت نفسه للجميع ، ثم تبدلت مرة أخرى لتصبح شخص يقوم بعمل مؤثر فى مجتمعه وليجنى منه المال الذى قسمه الله له ، ولكن هذا الشخص الأخير أصبح ينتقى بشدة الدور الذى يريد لعبه فى المجتمع ، وأصبح ينتقى بشدة الوسيلة التى تساعده فى ذلك.
- إذا لم تتضح الصورة بعد فلنرجها الآن وإلى أن نتقابل .. وستتمكنى حينها من فهم ما أقصده بالضبط فالمناقشة سوف توضح ما لا أستطيع توضيحه الآن بالكتابة.
- الحب كان يعنى لى دائما الزواج ، فالإنسانة التى سأحبها من كل قلبى ستبادلنى هذا الحب وسيجمعنا الزواج ، كنت دائماً ما أرى الحياة بسيطة وأنها ستسير وفق ما نريد ، ولكن مع مرور الوقت اتضح أن الحياة تسير بحسابات معقدة لا أعتقد أنه يمكن لبشر أن يلم بها ، كنت أنتظر النجاح فى عملى .. لأبدأ من بعدها البحث عن شريكة حياتى بالطرق التقليدية ويحدث الحب من أول نظرة ثم نتزوج وينمو بيننا الحب أكثر يوماً بعد الآخر ، ولكننى الآن لم أعد على يقين أننى سأجد الحبيبة ، بل وإن وجدتها هل ستبادلنى حبى بنفس الدرجة ؟ ولو بادلتنى الحب فهل سنتمكن من الزواج ؟
- أعجبت بفتاتين على مر حياتى ، عبرت للثانية عن إعجابى بها بينما لم أخبر الأولى ، استخدمت لفظ إعجاب هنا بدلاً من حب لأن كلا الفتاتين لم تبادلنى إياه ، أعتقد أنَّ الإعجاب مرحلة أولية من مراحل الحب ، فإذا ازداد هذا الإعجاب بدرجة كبيرة ومن الطرفين فيتحول الإعجاب إلى حب ، وهذا ما لم يحدث لى مع كلا الفتاتين ، فالأولى لم أحس منها بأى إعجاب بى مما أوقفنى عند درجة معينة ، والفتاة الثانية أيضاً لم توحى لى بأى شىء ولكننى ولظروف خاصة حدثت لى وقتها وجدتنى أتخيل أنها هى من أبحث عنها ، ولذا تركت نفسى لتزداد إعجاباً بها .. حتى صارحتها بعد فترة بمشاعرى تجاهها ، ومعرفتى بعدم مبادلتها لى نفس الشعور كانت وقتها صدمة لى ولكنها الصدمة التى أوقفتنى عن التمادى فى هذا الأمر ، وبسبب الظروف المصاحبة لهذه الواقعة فقد ظل تأثيرها علىَّ لفترة طويلة ، الآن تبدو لى هذه الواقعة كذكرى سيئة رغم استمتاعى وقتها بمشاعرى .. ولكن النهاية كانت غريبة علىَّ وغير متوقعة مما يجعلنى لا أحب تذكر هذا الموضوع بأكمله.
- بعد ذلك لم أعد أبحث عن الحب وإنما أنتظر أن يأتينى ، أريده أن يبدو جلياً منذ الوهلة الأولى ، فأنا أريد أن أرى فى عين من أحبها كل شىء بوضوح ، أريد أن أرى حبها وهو يشتعل فى عينيها ولا تستطيع إخفاءه ، أريد أن يشعر كل من يجلس معنا باللهيب الذى يشتعل فى قلبى وقلبها ، أريد أن يشفق علينا كل من حولنا بسبب معاناتنا من جراء بعدنا عن بعض ، أريد أن يحدث الإعجاب ثم الإعجاب الشديد ثم الحب ثم الحب بقوة ثم يصل إلى أقصى درجات الحب قبل أن تنتهى نظرتنا الأولى ، أريد أن تمر كل تلك المراحل فى الثوانى الأولى من لقائنا وقبل أن يتمكن أحدنا من التنفس لمرة أخرى.
- الدين جزء هام من حياة الإنسان .. بل هو حياة الإنسان بأكملها ، فالحياة عبارة عن اختبار ننجح أو نرسب فيه ، بينما الدين هو القواعد التى يجب اتباعها إذا أردنا النجاح ، لرحمة الله بنا ولمعرفته بطبيعة الإنسان فإنه سبحانه وتعالى يغفر لنا كثيراً ابتعادنا عن اتباع القواعد ، بالنسبة لى فكل ما أحاول أن أفعله هو الحياة تحت إرشاد أكثر ما يمكننى أن أتَّبعه من القواعد وأستغفر الله على تقصيرى فى الباقى ، اهتمامى بالدين اختلف مع تقدم السن ما بين صعود وهبوط ، الآن أنا أضع الدين فى المقام الأول فى حياتى ولكن تنفيذى للتعاليم قلَّ بدرجة كبيرة ، ربما امتناعى عن النواهى يكون بدرجة جيدة أو متوسطة ، ولكن تنفيذى للمطلوب منى درجته منخفضة جداً.
- كثرة تناول الطعام والسمنة رفيقان لى طوال حياتى ولم يفارقانى إلا فى فترات قصيرة منها ، وكانت فترات الفراق تلك من أفضل الأوقات التى عشتها ، كثرة الطعام تدرجت معى من عادة سيئة اكتسبتها فى الطفولة وقلّت فى فترة المراهقة لتعود بعدها لتلازمنى حتى الآن ، ممارستى للرياضة خففت من أثر تلك العادة اللعينة ولكن مع ابتعادى عن الرياضة أخذ تأثيرها يزداد حتى وصلت إلى وضعى الحالى ، فمع الإحباط يزيد تناول الطعام ليزداد الإحباط فتزداد كمية الطعام ليعود هذا بزيادة الإحباط .. إلخ ، أتمنى عندما نتقابل أن تعينينى على التخلص من تلك العادة وإلى الأبد ، كنت أتمنى أن نتقابل وأنا فى أحسن صورة ممكنة .. ولكن للأسف الشديد أنا فى حاجة لأن تمدى إلىَّ بيد المساعدة لأتمكن من تجاوز سوء الحالة التى أعانى منها فى وقتنا الحالى.
Monday, April 10, 2017
تسعة عشر يوما (اليوم العاشر) (يوسف محمد)
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment