Saturday, February 24, 2007

ثقافة الخوف



  • فى طفولتى كانت جدتى تحذرنى من كثرة اللعب والتنطيط على الأرض مرددة يابنى " إحنا موش على الأرض لوحدنا " ... كان وقع الكلام على غريباً وكنت أغرقها باستفسارات لا تنتهى عن مين معانا ، وكانت تتعوذ وتتمتم بكلمات كان يصعب على فهمها فى مثل هذا السن .. محذرة اياى من الكلام...كبرت قليلا ... سمعتهم ينهرونى دوما يابنى أهدأ "الحيطان لها ودان" ..كانت كلمات عجيبة أتوقف عندها ولا أفهم ... ومع مرور الأيام تبين لى أن الخوف من ذلك المجهول البعيد موجود فى كل حياتنا ...
  • حتى حينما تعلو الضحكات فى بيوتنا تجد خاتمة ذلك العبارة التى لا تستطيع أن تفك طلاسمها " خير اللهم اجعله خير " كأن كثرة الضحك سوف يعقبها شئ مزعج ... الجميع ينتظر المجهول المخيف ، خوف لا تعرف إذا كان ا مستمدا من تراثنا الشعبى أم ماذا ؟! ....الباحثون يقولون أن بلدنا مركزية بطبعها بحكم التكوين النهرى الذى يحتاج إلى حكومة مركزية قوية ...وربما يكتشف الباحثين يوما ما سر هذا الخوف الدفين هل هو طبيعة أيضا؟ ...
  • ألم تسمع فى يوم خناقة عابرة فى أحد شوارع القاهرة وتجد من ينزل من أفخر السيارات مهددا ومتوعداً بأقذر الكلمات التى قلما تجدها حتى فى أضيق حوارى القاهرة " أنت متعرفش أنت بتكلم مين !!! " تهديد أجوف يعتمد صاحبه على خوف الجميع من المجهول ....أو تسمع كلمات عجيبة مثل ورا الشمس ..أو .. زوار الفجر ....إن سماع كلمات مثل هذه كفيل بأن يُسرى فى جسد أى مواطن كهرباء استاتيكية عجيبة تقشعر لها الأبدان ... وتهتز لها القلوب ... وتجد العقول فى سكرة غريبة ترتجف من معانى هذه الكلمات ...
  • ونسيج الكلمات والحكم المأثورة فى تلك الثقافة لا يتوقف فحينما تعترض على أى شئ أنت غير مقتنع تجد من يقول لك "خليك ماشى جنب الحيط" بل إن الأمر وصل بالبعض إلى المشى جوه الحيط وليس بجانبه فقط .... أما حينما تشرع فى شئ وتتعرض فيه لمشاكل من أى نوع سوف تجد الناصح الأمين الذى يتلو فى آذنك يابنى "الباب اللى يجيلك منه الريح سده وأستريح" لا تعرف أهو خوف أم إنسحاب من الحياة ...
  • بل إن أسوء ما سمعته قريبا لإحدى الفرق الشابة اغنية تقول :
  • "أحسن حالك تبقى فى حالك وإن مقدرتش خلى حالك فيك" حيث يبدو أن تلك الثقافة أصبحت تسرى مثل النار فى الهشيم لا تفرق بين جيل الجمل وجيل مترو الأنفاق أو جيل "الكانون" وجيل الميكرويف ...
  • لذا فسوف تقتل كل المبادرات الجديدة حينما تبقى هذه الثقافة متغللة فى النفوس تئد كل فكر جديد وتدعو الشباب إلى أن يتمسك بالمضمون وإن فاتك الميرى أتمرغ فى ترابه"