-
- المسألة لا تحتاج إلى عالم اقتصادى أو إلى خبير فى البورصة .. وحينما تسأل أى أحد فى مصر عن اكثر المشروعات نجاحاً يقول لك وهو ينظر إليك من علو كأنه خبير فى البنك الدولى "اشتغل فى الأكل والشرب" وليس أدل على ذاك النجاح ما حدث منذ عدة شهور حينما هاجمت "القوات الخاصة لوزارة التموين!!" أقصد البلدية أحد عربات الفول وفوجئ الجميع أن من يقف على "نصبة" الفول هو وكيل وزارة !
- وعلى هذا المنوال سوف تجد المشروع الأكثر نجاحا هذه الأيام هو مشروع "المقهى" أو " القهوة" كما ينطقها العامة.. أو " الكافيتيريا " حسب الثقافات الجديدة ...وهى مكان لشرب كل شئ من أول كوب الشاى حتى أقصى درجات المزاج العالى .
- ويترواح حجم المقهى من "نصبة" شاى على ناصية شارع أو طريق عام ومن حولها كرسيين إلى قهوة صغيرة "غرزة" .. أو إلى قهوة ذات حجم متوسط أو كافتيريا كبيرة هذا من حيث الحجم .
- و"القهاوى" تنتشر فى طول مصر وعرضها كسرطان متوحش ، ورواد المقاهى من كافة الطبقات والمستويات ، وكان رواد المقاهى فى الزمن الماضى من أرباب المعاشات لكن حدث تغير واضح تبعا للتطور الحاصل فى كافة أنحاء المجتمع فى مصر واصبح رواد المقاهى أكثرهم من الشباب يستوى فى ذلك الطلبة والعاطلون ربما أيضا العمال والفلاحين على نمط ممثلينا فى مجلس الشعب ...
- وتنمو فى كل ميدان فى مصر الزهور وزهور ميادين مصر غير الزهور الذى يعرفها العالم ... وسوف تجد اسم "زهرة الميدان" يعلوها وحوله العديد من الأضواء سوف تجد زهرة الميدان مزروعة بعدد من الكراسى تساهم وإعاقة حركة المرور داخل الميدان... وقد أتى الجميع لكى يشموا من الزهرة راوائح "المعسل" و "التفاح"...
- والمسألة ليس لها علاقة بالمدن فقط .. بل تعدتها إلى أقاصي القرى فى بر مصر كلاته .. حيث أصبح الفلاحون يقضون الليالى الطوال أمام نجم القهوة الجديد "الدش" وشعارهم أنسى "المش وخليك دايما منتعش مع الدش"...
- وسيبك بقى من الكلام القديم بتاع "الأرض لو عطشانة نرويها بدمانا" .. وسيب الأرض تبور يمكن تبقى مبانى ونكسب قرشين يخلونا نجيب "الدش" فى البيت وهو يبقى فى البيت والقهوة علشان نشوف البنات اللى زى لهطة القشطة ... "وبنات الدش اجمل من بنات المش"....
- وفضلا عن نجاح فكرة "القهوة" كمشروع ، فأنها تساهم فى حل مشاكل اقتصادية كبرى .. فهى الحل الأوحد لكل الشباب العاطل الذى ينتظر كمبيوتر الحكومة المصاب بفيروس البطالة -"مهنج"بلغة بتوع الكمبيوتر" – لكى يحل باقى مشاكل مصر .. والشاب كما يأخذ مصروفه من والده كما تعود أيام الدراسة لا فرق بين قبل التخرج أم بعده .. يذهب إلى هناك لكى يشم الدخان الأزرق ... ويندمج فى جميع الألعاب الرياضية الغير أوليمبية التى تبدأ من الكوتيشينة مرورا بالدومينو والطاولة وانتهاء بالشطرنج الذى له اوليمبياته الخاصة به...
- ولكل فريق تحيزاته داخل القهوة .. بتوع الشطرنج يقولك دى الرياضة الذهنية .. وللأسف فهو رياضة مفيدة لكن فى مصر المكان الوحيد الذى يلعب في جو الدخان الأزرق وجميع اللاعبين حتى فى نوادى الدرجة الأولى يمارسونه على القهوة .. رغم أنه فى الخارج تخصص له قاعات خاصة باسم اللاعبين الكبار ولا يتم فيها التدخين وجوها مثل جو المكتبات لا تجد صوت يعلو .. لكن شتان بين الخارج والداخل .. فالشطرنج المصرى يلعب مع تعليقات كل المشاهدين وتحليلاتهم .. والأسوأ أن يتم تخبيط القطع مع بعضها كأنك تلعب أى شئ آخر ......وهناك عدة مقاهى متخصصة فى لعبة الشطرنج فقط .. لكنها لا تفرق كثيرا عن أى مقهى آخر ...
- أما أصحاب الدومينو ... فيتحدثون عن اجمل الأوقات مع الحسابات .. دى اللعبة اللى ما يقدرش عليها إلا الأذكياء .. وبخاصة الأمريكانى منها ... ما هو كل حاجة بقت أمريكانى اليومين دول علشان الإصلاح ...
- أما نجوم القهوة الحقيقيين فهم أصحاب الطاولة ..... حيث الموسوعات الضخمة الذى يقرأها شبابنا فى فن لعبة الطاولة ... بداية من المعجم الضخم "البساط فى تحريك القشاط" ... والكتاب الذى احدث ضجة فى عالم الطاولة " القاعدة الملموسة فى العادة والمحبوسة"وهى مراجع مصرية أصيلة فى فن الطاولة لكن للأسف لا يعطون عليها جوائز عالمية .. وقد ساهم فن الطاولة فى إتقان المصريين والشباب بخاصة لقراءة الأرقام باللغة الفارسية لأن المستقبل فى اللغات ... "وأمسك فى اليك وعك"....
- والكوتيشينة ليست نجمة القهوة هذه الأيام وراحت أيام سيد درويش" فيك عشرة كوتشينة" لكنها تميل إلى التخصص فهى دائما موجودة فى "الغرز" مفردها "غرزة" وكما اسلفنا هى مقهى صغير فى القرى يكون من البوص وعيدان الجريد وفى العشوائيات يكون من الصفيح .. وفى العادة ينتهى دور "الكوتشينة" فى الغرزة بغزة مطوة لأى من اللاعبين المحترفين فى هذا الفن .. أو بخناقة لطيفة لا تلبث أن تقلب إلى هزار بسيط حينما يصل الباشا المعاون..
- ومساهمة من القهوجية فى دعم الشباب العاطل .. فأنهم يحصلون على تخفيضات خاصة لأنهم زبائن دائمين وتصل
- التخفيضات حتى إلى "البقشيش".
- وشعار العاطلون عن العمل أمام الطلبة "بكرة تيجى تكلمنى علشان أتوسط لك فى حجز كرسى دائم بجنبى على "القهوة" لما تتخرج "ومتلقي...فكرسيك مجرد كرسى غير دائم .. فهم يملكون حق الفيتو داخل القهوة فى اختيار اماكن جلوسهم المميزة.. لأن كرسيهم دائم ..
- واقتصاديا أيضا القهوة هى مكان لتجمع العمال قبل الذهاب إلى الأعمال فى كافة الأنحاء .. وهى فرصة جيدة لساعة اصطباحه هنية مع كباية شاى فى الخمسينة تعدل المزاج أو كوب شاى مع لبن حليب علشان متخرجش على لحم بطنك .. مع كرسى معسل "قص" مقصوص بمعرفة القهوجى أو معسل "زغلول" مرطب خصيصا للأسطى باشا... أو حبة شاى كشرى فى السريع ... ومعاك واحد شاى على بوستة علشان يعجب الاسطى ، وواحد شاى ميزة .. وصباحك عسل يا هندسة ...
- ومساهمة من "القهوة" فى حل المشاكل الاجتماعية فهى المكان المفضل لكل الأزواج الهاربين من الحوار مع زوجاتهم .. فهى تجعل الأزواج يسهرون الليالى فى الخارج حتى يكون دايما هناك شوق ، وعلى قد هذا الشوق يعود الزوج إلى سريره لينام ... فهى جسر التواصل مع الأهل والأحبة ومكان للهروب من وجود الحموات فى المنزل .. ومكان لتذكر - شباب الزوجة البائد فى وزحمة الأولاد – عبر متابعة الزوج آخر صيحات "النيولوك" فى الدش ...
- وهى ايضا فرصة لكل الشباب الذى يبحث عن عروسه فهى موقع متميز للنظر على الرايحة والجاية فالقهوة دوما تحتل أماكن استراتيجية يسهل منها السيطرة على حركة الفتيات والسيدات أيضاً... وقد يكون الأمر مجرد تفريج عن كروب الشباب الذى فاته قطار الزواج ولم يعد لديه غبر التطلع فى العابرات ...!!!
- وفضلا عن خبراء الألعاب الغير أوليمبية .. السالف ذكرها فالقهوة هى مكان التجمع لنخبة من خبراء مصر العظام فى كل المجالات بداية من خبراء السياسة الدولية ومرورا بخبراء الاستراتيجيات الكبرى والاقتصاد الدولى وعروجا على خبراء الفن وانتهاء بخبراء الرياضة الذين لهم السطوة الكبرى وبخاصة فى رياضة كرة القدم ولا يعنى ذلك أن خبراء الرياضات الأخرى غير موجودين لكنهم يظهرون فقط أيام الدورات الأوليمبية حيث يتخصصون فى الألعاب الجديدة دائما وبخاصة الألعاب النسائية مثل الجمباز .. والكرة الشاطئية .....
- وخبراء السياسة الدولية والاستراتيجيات يضعون مخطط للنظام العالمى الجديد ويعرفون كل شئ قبل حدوثه بداية من احداث 11 سبتمبر ونهاية بالمرشحين لانتخابات الرئاسة القادمة فى الولايات المتحدة .. وهم يفتون فى كل شئ استراتيجى بداية من السلاح وانتهاء بطبق الفول ...
- وخبراء الاقتصاد على القهوة يضعون لك الحل السريع لكل المشاكل الاقتصادية الدولية وبالطبع المشاكل الاقتصادية المصرية بداية من تسعير السولار وانتهاءاً باستيراد لحوم السودان ولا يفوتهم أن يناقشوك فى أبعاد قضية البترول على المستوى الدولى ....
- أما خبراء الفن فتخصصهم الأساسى هو نقد "الفيديو كليب" وهو نقد يختلف كثيرا عن أى من النقاد العاديين .. لأنهم ينقدون بفلسفة عميقة تشرح تضاريس بطلة "الفيديو كليب" فهى تدرس جغرافية مكوراتها ومدوراتها وتتابع حركة كل بوصة فى الفنانة وتقدمها مع الوصف التفصيلى .. وقد تفوقت تلك الحركة النقدية تاريخيا عن وصف مصر وجغرافيا عن جمال حمدان فى شخصية مصر ...
- أما خبراء الرياضة فهم سيصلون بمصر إلى العالمية رياضيا على كافة المستويات لو تم متابعة نصائحهم جيداً ويكسبون كأس العالم وهم جالسون فى أماكنهم ويستطيعون تحليل كافة النشاطات الرياضية .. سواء المحلية أو الإقليمية أو الدولية....
- وللإيمان العميق بنصف المجتمع فقد ظهرت الفتيات والسيدات على القهوة وبدأن فى تقليد الرجال ... فى أسوء شئ وهو تدخين الشيشة ولم يفت نجمنا الشعبى "شعبان عبد الرحيم" أن يحذر الفتيات والسيدات "الشيشة يا بنتى خطيرة" !!! .. وتحترف السيدات شد الأنفاس من "اللى" كتقليد للرجال !!!
- كما أن القهوة أصبحت أيضا مكان لعقد الصفقات الكبرى بين رجال الأعمال الكبار وتشتهر فى ذلك عدة مقاهى بأنها تجمع هؤلاء وبخاصة فى منطقة المهندسين ... وقد نقلت بعض الفنادق وخيم رمضان أفكار القهوة لتقدم المزاج العالى لروادها ..كذلك بعض الكازينوهات السياحية النيلية ...
- والعالم الخاص للقهوة يصنع ثقافة الصوت العالى فى بر مصر .. فلكى تسمع صديقك عليك أن تعلى صوتك على آخر طبقة ... أما خبط قطع الشطرنج وقرقعة قواشيط الطاولة والدومينو وحتى الكوتشينة يكن لها صوت أيضا...
Sunday, January 10, 2010
المشروع الأكثر نجاحاً
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment