Thursday, April 9, 2020

"ليلة سقوط العلوج"

كنا ننتظر اجتماع دعى إليه العاملين فى المنشأة التى اعمل بها قبل سقوط بغداد بأيام وكان احد الزملاء يروج لمقاولات سعيد الصحاف وزير الإعلام العراقى حينها عن انتصار العراق وعن معركة بغداد القادمة، فقلت له أن صدام لا يحارب والتكتيكات المتبعة باليه، ونظرية القنفذ وانتظارهم عند بغداد غير ذات جدوى انتهى الحوار بأننى احد المنبطحين والكلام الذى تعرفونه فى هذه المواقف، حتى اننى توقفت عن الجدال لأننى من قابل جادلت احدهم ابان حرب الخليج الثانية فيما اطلق عليه عملية تحرير الكويت وكان يسرد ما يقوله الاعلام الغربى عن قوة الجيش العراقى بالطبع وكنت حتى ارد عليه بكلام الرئيس مبارك عن فرق القوة بين الجيوش المحتشدة ولكن بالطبع كان علي الصمت فى الحالتين، بالطبع لم اكن رجل عسكرى لكن كانت يوميا امامى خريطة العراق والسرعة التى تحركت بها القوات داخل العراق واستخدم الامريكان فى ذلك الحين تكتيكات اطلقوا عليها الصدمة والترويع بكثافة نيرانية جوية عالية تدمر الاخضر واليابس فى حرب مماثلة لما حدث فى تحرير الكويت مع افراط فى القوة مع جيش تحت الحصار لسنوات طويلة، وعلى الرغم من ذلك وللحق فقد اظهرت قوات عراقية مهارات جيدة من بينها ما حاولت اقنع به زميلى أن تكتيكات حرب العصابات مع هذا الحجم من القوة هو الافضل وكان العراق قد نجح فى آسر عدد من الجنود حينها بهذا التكتيك بل ايضا نجح فى اسقاط طيارين، بل اننى شاهدت فيلما بعده قدمه الجيش البريطانى عن بطولة قائد احد قائدى الدبابات العراقية فى مواجهة طائرتى هليكوبتر على عكس ما روجه الأمريكان فيما بعد لطائرة الاباتشى وكيف ان طائرتان فقط نجحتا فى اسر كتيبتى دبابات عراقيتين دون قتال يذكر.
وعلي ايه حال فى النهاية سقطت بغداد فى مثل هذا اليوم التاسع من إبريل عام2003 كثانى عاصمة عربية فى تسقط بعد سقوط بيروت 1982، واكتشفنا بعدها بسنوات أن حتى رغم القوة الامريكية وفرق القوات وانهاك القوات العراقية فى ثلاثة حروب على مدى ثلاث عقود لكن بغداد سقطت بخيانات تم ترتيبها مع قادة الحرس الجمهورى العراقى بتوفير اماكن لهم وهويات جديدة لهم ولأسرهم للحياة فى امريكا، وقد نجحت هذه تكتيكات الخيانة فى تجنيب القوات الأمريكية ما خافت عليه بعض المصادر الأمريكية نفسها من أن تتحول العراق إلى فيتنام أخرى، المشهد المروع لسقوط بغداد كلنا نعرفه، وقد كان سعيد الصحاف ناجحا على المستوى الإعلامى فتصريحاته كانت جاذبة لدغدغة مشاعر الأمة وكانت تلقى صدى على الجانب الغربى يصنع قلقا جعلهم حتى لا يمارسون القتال، وهكذا احتل العلوج بغداد وعانوا ما عانوا، وعادت العراق دولة من القرون الأولى للأنسانية بعد تدمير بنياتها التحتية كاملة مع أنها دولة كانت نامية لكن تقدم خدمات فى مستوى دول العالم الأول.علي أيه حال اذا كانت بغداد سقطت فالعلوج هم من يسقطون الآن، وسقوطهم الآن هو سقوط كل امبراطورية تأخذها غطرسة القوة إلى غيابات النسيان، ما حدث فى العراق وما حدث قبله فى افغانستان ومن بعده فى ليبيا ثم سوريا والاصرار على ممارسة دور شرطى العالم ولكنه اقرب إلى شرطى فاسد يدوس على قرارات الأمم المتحدة ببطش قوته، قواتهم تعجز عن مقاومة كائن ميكرونى صغير يفتك بأحد حاملاتهم العملاقة، ليس الأمر تشفيا وكل روح انسانى تزهق فى امريكا نحن نتألم لها لكن الطغمة الحاكمة بتشبيكات مصالحها الشديدة اليمنية هم الذين اختطفوا أمريكا وحولوا الدولة إلى شركة مقاولات كبرى اعادت بناء الكويت والعراق وتركيع الدول فى فوضى غير خلاقة، تلك العصابة التى استهلت القرن الجديد بمقولات صراع الحضارات ونهاية التاريخ والقرن الأمريكى هى من تصنع المشهد الأمريكى الآن، وهم الآن يبحثون عن كبش جديد لفشل حقيقى فى ادارة موارد اكبر دولة فى محاولة منهم للرقص مع التنين الصينى، ترى ايظل المواطن الأمريكى تحت حكم العلوج! 

No comments: