- ألقى بجسده على السرير وهو بكامل ملابسه ... لم يستطع أن يستغرق فى النوم . سحابات الحزن التى أظلت اليوم كله سيطرت على كافة مشاعره .. بدا الشعور بالتعب بسيطا بالمقارنة بسحابات اليأس والكآبة التى يعيشها..وذلك على الرغم من المجهود الذى بذل طوال اليوم بين المدافن وأفواج المعزيين حتى بدت كأن يده تعوم فى المياه من كثرة ما سلم على أشخاص سواء يعرفهم أم لا .. لم يعرف كم من الأشخاص قاموا باحتضانه .. لم يعى لكلمات كثيرة قيلت .. كانت إجاباته تمتمة محفوظة لمثل ما يقال فى هذه المناسبات ...كان عقله يسبح فى أشياء أخرى ... كان دوما يردد لزملائه فى هذه المواقف حكمة بوذية قرأها تقول "من يعرف أن كل شئ فان لا يعرف قلبه طريق الأحزان" .. لكنه لم يخطر بباله يوما أنه فى حاجة أن يسرى عن نفسه بهذه الحكمة .. ولم يخطر بباله أنها لن تسرى عنه ... طافت فى رأسه العديد من الأسئلة .. الإحساس بالعجز أمام مفاجأة الموت ... لم يدرى كيف غابت عنه الحقيقة الوحيدة فى الحياة .....
- لم يعرف ماذا يفعل .. هل يصلح البكاء أو العويل -كما فعلت كل نساء الأسرة اليوم - للفوات من أثر هذه المحنة ... تذكر لوم والده له "الرجال لا يبكون" حينما كان يبكى وهو صغير ...بدا أمام الجميع رابط الجأش حتى فى أصعب اللحظات حينما أنهار أخيه الأكبر وهم يضعوا جسد والده نحو مثواه الأخير .. كانت كلمات والده تطن فى إذنه خاصة حينما يكون والده يستاء من بكاءه " النسوان هى اللى بتعيط" ورغم كل فوران الحزن داخل نفسه بدا ثابتا ... وقد سمع بعضهم من وراء ظهره وهم يثنون على ثباته... لم يكن أحد يدرى دواخل نفسه المنهارة التى قاربت على تمنى أن يئد نفسه مع والده فى نفس المكان ..
- فى غمرة حزنه لاحت له فكرة أنه لا يحزن على والده بقدر ما يحزن على نفسه ... أنه يحزن على شخص يستند عليه فى الحياة .. تصور الأشخاص من حوله مجرد عكاكيز يرتكن إليهم لكنه لم يفقد عكازا فقط.. لقد فقد ركنا عظيماً ... قيمة والده فى حياته كبيرة .. رغم أنه اعتمد على نفسه منذ سنوات مضت لكنه كان يعتبره ركنا قويا .. كيف يحيى بدونه .. إن الحياة بدونه ليس لها معنى ...............
- ساعات الحزن حفرت جروحا غائرة فى نفسه ... وحينما استلقى على سريره كانت كلمات مثل لماذا ؟ وكيف ؟ ولما ؟ تخرجه عن إيمانه ...
- تمنى لو يستطيع أن يحاور ملك الموت ؟ تمنى أن لو يراه .. تمنى لو أن قال له لماذا لم أكن أنا ؟ وفى خلال أمنياته
- خيل إليه أنه يراه .. لم يكن كما قرأ أو كما سمع من أحاديث مخيفاً .. لكن جسده أحس برعده شديدة .. من مجرد تصور أنه هو .......
- - بادره بقوله : " كُلُّ منْ عليها فان . ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" ليست حكم البوذية ما تحتاج إليه ... تحتاج أن تعود إلى كتاب الله.
- - صرخ : لماذا مات ؟
- - "كل نفسٍ ذائقة الموت".. الموت حقيقة من حقائق الحياة مثل الميلاد .. كتب يوم ميلادك وكتب يوم أجلك يوم ولدت.
- - ولكن لماذا هو ؟؟؟
- - "وإذا جاء أجلهم لا يستاءخرون ساعة ولا يستقدمون" لست أكثر من رسول من رسل الله أرسل لكى يقضى اجل مكتوب من قبل ...
- - لماذا لم أكن أنا ؟
- - أجلك لم يأت بعد .... "لكل أجل كتاب" ...
- - ولماذا الموت والحياة ؟
- - خلق الله الموت والحياة ليبلوا الناس أيهم احسن عملاً .. "خلق الموت والحياة ليبلوكم آيكم احسن عملاً".
- - لا أريد هذا البلاء أو الاختبار ؟! ...
- - الأمانة والتكليف .. قبلها كل إنسان " إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولاً " ...
- - لا أريد كل هذا ... لا أريد هذه الحياة ... كفرت بكل شئ .... ؟
- - "أكفرت بالذى خلقك ثم سواك رجلاً " ...
- - "لا إله إلا الله محمد رسول الله . محمد رسول الله " .. لا لم أكفر ولكنى لا أستطيع أن أحيا بدونه ...
- - ألم يسميك وهو يقرأ سورة مريم .. ألم يجعلك تحمل اسم نبى ... ألم يعطك اسما ليس له سميا ألم يقل لك مرارا وتكرارا " سميتك يحيى لكى تحيا بالإيمان" ..
- - ولكنى آيس من هذه الحياة ...
- - أنت مؤمن بالله وبرسوله .... لذا لا مكان لليأس فى حياتك ابحث عن روح الله فى داخلك ... " إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون"
- رن فى أذنه صوت أذان الفجر .... تلفت حوله لم يجد أحداً .... وتذكر ذلك الحلم الذى مر به.. شُرح صدره واحتسب عند الله فقيده .... واستغفر ربه وقام ليتوضأ ويصلى ..
Wednesday, January 20, 2010
حوار مع ملك الموت
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment