- فى إحدى برامج التليفزيون المصرى وقف المذيع متفاخرا وهو يستمع إلى تعليق أحد الأجانب وهو يقول : الشارع المصرى هو أكبر دليل على حرية التعبير والديموقراطية فى مصر !... واستطرد قائلا أن الجميع فى شوارع مصر يتوجهون صوب اليمين واليسار بلا أى مشاكل ودون توجيه إنذار أو إشارة أنهم يمارسون الحرية فى أبهى صورها بالطبع كان صديقنا الأجنبى يقصد حالة الفوضى المرورية الموجودة فى مصر .
- ولو تأملنا حال الشارع المصرى فسوف نجد صدق حديث الرجل ، ولن يخفى علينا أننا فى مصر لا نحتاج إلى أى برامج للإصلاح السياسى ، فلدينا العديد من الأحزاب ذات التوجهات الثورية والاشتراكية بل والرأسمالية تعزف ملحمة الديمقراطية المصرية التى يجب علينا أن نفكر فى تصديرها لشعوب الأرض كلها ، بل يجب علينا أن نضع تلك البرامج فى كبسولات إصلاحية لفرضها على بقية شعوب الأرض على الطريقة الأمريكية ..
- وكقارئ فى الواقع المصرى أود أن أعرض عليكم قائمة بالتوجهات الحزبية الأكثر تأثيرا فى الشارع المصرى :
- وسوف أبدأ لكم بالتيار الكاسح الذى له شعبية وقوة وتأثير فى الواقع المصرى ألا وهو حزب الميكروباص - تنطق "ميكروباز" فى الأدبيات الشعبية المصرية – وهذا الحزب ذو توجه ثورى شعبوى قيادى فى الشارع المصرى ، أتخذ منذ إنشاءه شعاراً ضخما يردده كافة سائقيه " ربع جنيه على الأرض لمه وبسرعة" ولا يدخر رجال الحزب أن يطبقوا الشعار بحذافيره وبالطبع المقصود "بالربع جنيه على الأرض " ذلك "الزبون الحائر الطائر" الذى يقف سواء يمين الطريق أو يساره المهم إنك "تلم النعمة من على الأرض" قبل غيرك ، ومع عداد السرعات الذى يتجاوز المئة دوما تجد عضو الحزب النشط مشغول بعد كام ربع جنيه فاضل على فلوس القسط الشهرى ، ودعما لهذا الحزب يقف الجميع احتراماً له من الأحزاب الأخرى ، والمواطنين الشرفاء يستمتعون أيما استمتاع بالمساعدة فى إثبات قوة الحزب حينما يطلبوا من السائق التوقف فى اى مكان وتحت أى ظرف مطلع كوبرى او منزله أو حتى فوق الكوبرى محطات معروفة صنعها "عفاريت الأسفلت" –على رأى مخرجنا هانى - بعرق وكد وكفاح استحقوا عن جدارة لقب حزب الشعب الأول وتخشى الحكومة سطوتهم وتعمل لهم ألف حساب وديتها إيه يعنى " بريزة كبيرة " لأى مخالفة تتقطع ورقة المخالفة ، وتدور العدادات مرة أخرى ، ورغم الخلافات على الأجرة فسوف يبقى ذلك الحزب فى المقدمة مسيطراً على عقول وألباب الجماهير وخاصة عندما تتتغير الأجرة من الصباح أو المساء ، والعضو الحزبى لا يألوا جهداً فى الدفاع عن مبادئه الحزبية خاصة فى الأجرة حينما تنتهى أى مناقشة سواء "بخلى عليك خالص يا بيه" أو " بذمتك يا هندسة " بقى الكام "غرزة" دول ما يستهلوش خمسة وسبعين قرش احكم انت بقى" أو نجد احد الرفاق من المساعدين - فى الغالب تجد نصفه متدلى فى الطريق – ينظر إليك شظراً ، أو يتبعك باللعنات وسيل من السباب والعبارة الشهيرة " يا باشا البهوية ليها ثمن "...ويا ويلك إذا كنت تستخدم العملات الورقية من فئة الخمسة قروش والعشرة قروش ....
- ويدعم الحزب المسيرة الفنية فى الشارع المصرى وخرجت منه إبداعات عظيمة مثل " من يوميها يا ناس خلاص قلبى حب الميكروباز" ، و " راحت خلاص أيام الست وبقينا فى عصر الإنترنت" .. والمعارك الفكرية حول " إذا كان احمد حلمى أتجوز عايدة " أم أن " شعبان بيقول إشاعات احمد حلمى وعايدة أخوات" ...والبقية تأتى فمسيرة التجريب "الميكروبازى" على أشدها .
- بل وتخطى الأمر أن تفتح " الميركوبازات " منبراً للتوجهات الدينية المتطرفة وتعرض شيوخ الصرخات الذين يهددونك بالترهيب وبالويل والثبور وعظائم الأمور !!
- ولا ينافسه فى هذا إلا الحزب ذو السطوة الكبرى فى الشارع المصرى ألا وهو "حزب الهيئة" وهذا الحزب له جماهير تقترب من الخمسة ملايين يوميا ورغم هذه القاعدة الشعبية فالحزب لا يستطيع أن يغطى نفقاته بل تضطر الحكومة أن تدعمه بعدة مئات من الملايين كل عام !!!
- وشعار الحزب هو " الكبير كبير والنص نص والصغير ما نعرفوش" ويطبق هذا الشعار بقوة وسطوة الحزب على الطريق مدعوما بقوة الميرى التى تجعل من يفكر فى الاقتراب يقع تحت سطوة " اللى يفوت يموت" وديناصوراته تزحف فى الطرقات بشراسة تهدد وتتوعد كل من تسول له نفسه التفكير فى التخطى !!!
- لكن أهم ما يميز ذلك الحزب أنه لم يسمح لرفاقه بالتدلى فى الشارع بل استبدل تدلى الرفاق بتدلى أفراد الشعب العامل كلهم ، وشعار المرحلة كان " علبة السردين تسع الجميع ... " والرفاق من " الكمسارية " يرددون دوما "خطوة قدام العربية فاضية " وطبعا لأن أفراد الشعب لا يرون ذلك الأفق السرمدى الذى يتحدث عنه الرفيق الذى يسع العديد والمزيد دوما من أفراد الشعب.
- وما يحكم الأفق السرمدى للرفاق داخل الحزب هو شعار بسيط جدا وصحى أيضا " نحن نوفر الدفء فى الشتاء من خلال الزحام ولو تحدثنا عن قيظ الصيف فهم يقدمون أرخص "سونا" فى العالم .. فى الحقيقة لا أعرف لما التهكم على تلك التوجهات التى وفرت كل الحلول ، حتى ما يقوله البعض عن أن التزاحم يسبب انتشار الأمراض فهو محض هراء إذا نظر إليه من خلال المشاركة فإن كان أخوك مريض فيجب أن تشاركه آلامه وأمراضه .
- والرفاق من المساعدين فى الحزب لا يدخرون وسعا فى رفع المعاناة عن المرأة العاملة بخاصة وتسمع شعار " كعب عالى حاسب جامد ورا " أو تجد الرفيق يترك مكانه للمرأة العاملة تخفيفاً عن كاهلها ، أو تجد السائق يقف دوما فى نفس الميعاد صباحاً لا يتحرك رغم صرخات الجماهير عن مواعيد العمل الذى تأخروا عنها ، لكن طبعا "السنيورة " من المرأة العاملة فيجب أن يتم الانتظار...ولا يجب أن ننظر إلى ذلك إلا من خلال إيمان كل كوادر الحزب بنصف المجتمع الذى يجب أن يأخذ حقه فى الحياة !!
- وقد ظهرت تيارات متعددة داخل ذلك الحزب ونمو تيارات جديدة على يمين الحزب بدأت ظهورها فى أواخر الثمانينات حينما ظهر التوجه اليمينى الخاص " بالمينى باص " وأصبح الرفاق داخله ينافسون حزب " الميكروباز" فى عد الأجرة ،وحافظ السائقون فى البداية على سعة السيارة الرسمية لكن القوى القديمة داخل الحزب رفعت شعار اغنية عبد الحليم الشهيرة " على رأس بستان الاشتراكية واقفين بنهندس على الميه " وعادت مصارين " المينى باص" تلقى بالزبائن من الأبواب وتنافس الديناصورات الكبرى من الأتوبيسات ...
- ورغم التوجه الاشتراكى داخل "حزب الهيئة" فإنها سمحت للقوى الرأسمالية الوطنية بالتواجد داخل الأتوبيسات لخدمة أبناء الشعب " وامشاط وفليات للبيع " و " تعلم الإنجليزية فى سبع أيام" ووجد الكثير من العاملين من السريحة مكانهم داخل الأتوبيس يسمح لهم الرفاق بالركوب مجاناً لعرض البضاعة "الصينية" فى أغلب الأحوال وليست الوطنية ربما إيمانا بالاشتراكية الصينية .. أو دعما لها !!!
- ويتنافس البائعون فى عرض أفضل ما لديهم من تخفيضات وتسمع عبارات مثل " ونظرا للحالة الاقتصادية فى العربية العشرة شربات بجنيه !!! " أو " أجيب شراب على البطاقة ، طيب أجيب شراب على ما تفرج " توجهات تمس نبض الجماهير ... " ولا استغلال المحلات " ... عروض ضخمة تنافس اكبر مهرجانات التسوق فى العالم !!
- ودور الحزب الاجتماعى قائم ولا يتجزأ حيث تعرض منابر الحزب يومياً مشاكل المواطنين " الغلابة " أصحاب المواجع " اللى بتجرى على لقمة العيش لأخواتها السبعة ويجب مساعدتها بدلاً من الانحراف " و محترفى " العجز " الذين تجدهم ينافسون أعظم أبطال العالم فى الجرى حينما تظهر شرطة المواصلات .. وبالطبع هذا دعما للمسيرة الرياضية الذى يتبناها الحزب بقوة ... فالحزب يوفر للمواطنين تدريبات على القفز أثناء التحرك فى الملفات أو اللحاق بالرفاق خلال الجرى والقفز ، أو مهارة عبور الموانع من خلال توقف الأتوبيس على يسار المحطة حتى يضطر المواطنين إلى عبور نهر الطريق للحاق به ، ولو انتبهت وزارة الشباب والرياضة بعد أن يخرجها الله من محنة " الزيرو" إلى قوة التدريبات التى يجريها الحزب للمواطنين لتمكنا من الفوز بكل الميداليات "الصفيح" فى الدورات الأوليمبية القادمة ..!!
- ولقد عاد يمين الحزب للظهور مرة ثانية ولكن بقوة بعد ما أسس كوادر كبرى يتزعمها "الأتوبيس المكيف" ورفع شعار " إذا كان الأمريكان لديهم ال سى أى أيه فلدينا السى تي أيه " ورغم كل الإشاعات المغرضة التى أثرها البعض عن " الأتوبيس المكيف " فقد ظلت جماهيره تزداد !!!
- وواصل المد اليمينى داخل الحزب سطوته فى إطار عدد من المشروعات التى تم تنفيذها بالتعاون مع القطاع الخاص ربما إتجاه تعاونى .....
- وظهرت التوجهات البيئية للحزب حينما تزعم حملات "الشكمان العالى" الذى حاول بعض المغرضون الوقف منها واتهموها بأنها السبب فى السحابة السوداء ؟؟ ولكن المسيرة البيئية لم تتوقف وظهرت سيارات الغاز إيمانا من الحزب بأهمية البيئية فى العالم اليوم ، وأصبحت ترفع شعار الأتوبيس الأخضر.
- وإذا كنا أسرفنا فى الحديث عن حزب " الهيئة" فلا يجب علينا أن نغفل حزب له دوره فى الشارع المصرى وهو " حزب البنديرة" ورغم اسم الحزب فالبنديرة لا تعمل .. والمقاولة هى التى تحكم ويجب " تقليب الزبون" خاصة إذا كانت أسرة ... وهذا الحزب يهدف إلى جر الزبون إلى معركة دائمة حول ثمن البنديرة حيث أنتجت روايات عديدة عنوانها " معركة البنديرة " و " ونتقاول " وقصائد يتغنى بها الرفاق " البنديرة مبتأكلش عيش " وقد تقلص دور الحزب فى الشارع المصرى رغم زيادة أعداده... لكن شعار "الفوطة الصفراء " اختفى وذلك بفضل ضغوط حزب "الميكروباص " ، ولم يتوانى الحزب عن دعم المسيرة الفنية ايضا فلا ينسى أحد إبداعات السبعينات " وزحمة يا دنيا زحمة !!!" ولو البنديرة مكنتش على المزاج تبقى " زحمة ولا عدش رحمة" ..ودعمت الثقافة الشعبية بكثير من الموروثات الأدبية على خلفية السيارات مثل " يا تهدى يا تعدى " و متبصليش بعين راضية بص للمدفوع فيا "
- وقد ظهرت أحزاب " تحت الأرض " فى الشارع المصرى وتحصل على تأييد من الجماهير يقارب ثلاثة ملايين يومياًً !!! واكتسحت بفضل الكفاءة التى أثبتتها فى دقة المواعيد والنظافة ولأنها راقبت عيوب "حزب الهيئة " و تجاهلت تعاليمه ومنعت التدخين وأدخلت سيادة القانون وأصبح المصريون تحت الأرض أكثر انضباطا من فوقه ولكن الخوف أن بعض الإهمال بدأ يتسرب إلى كوادر الحزب تحت الأرض ويبدو أن بعض الجراثيم الفوقية بدأت تظهر فى الأسفل فى سلوك البعض من تخطى الماكينات وأيضا فى سلوك الهيئة القومية للأنفاق فى رفع السعر حسب الموضة وفى غلق التكييفات لتجربة طريقة حزب "الهيئة" فى "السونا" الرخيصة ، ولا ننسى كيف أن المسيرة الفنية التجديدية "للميكروباز " قد غنت لمترو الأنفاق وقالت "لما الجو احلو وراق رقصت أنا مترو الأنفاق " حيث أن الحزبين يشتركوا فى دعم كل منهما للأخر وتجد أن الشقق تباع على أطراف القاهرة بعبارة موجزة يقولها السماسرة تمثل اعظم اندماج حزبى فى التاريخ السياسى الحديث : " تركب ميكروباز ربع ساعة تبقى فى محطة المترو وتلت ساعة تبقى فى وسط البلد ، يعنى ساكن فى وسط البلد !! " مسيرة عظيمة من الاندماج بين حزب يعمل تحت الأرض وأخر فوقه تقدم أحدث وسيلة لأبتلاع مزيد من الأفدنة الزراعية حول القاهرة ، وتسهم فى تكبير الرأس الكاسح لمصر " القاهرة" كما قال جمال حمدان قبل ثلاثين عام عن حال القاهرة وبقية محافظات الجمهورية " رأس كاسح وجسد كسيح "...
- وليست هذه فقط هى الخريطة الكاملة للقوى الحزبية الشعبية فى الشارع المصرى بل هناك بعض القوى الحزبية الأقل عددا ولكن ربما أعلى صوتا وتأثيراً فى بعض الحالات ومنها الأحزاب الرأسمالية التى تترواح بين أقصى اليمين حيث " أولاد الذوات" أصحاب شعار " أنت ما تعرفش أنت بتكلم مين " و يمين الوسط من" الطبقة المتوسطة المطحونة" أصحاب شعارات " عفواً السيارة فى التليين" ، وقدم تم وصف سيارات فئة الذوات منذ منتصف السبعينات وحتى الأن " بين التمساحة والخنزيرة حينما بدء عصر الانفتاح وانتهت بالشبح والعيون فى التسعينات وبداية الألفية الجديدة " و لم ينسى الموروث الشعبى أن يتحدث عن سيارات الفقراء والمساكين " بدءاً من القردة وانتهاءاً بالعصفورة" ولا ننسى أصحاب المناصب بسيارات الحراسة ذات الدفع الرباعى التى قامت حكومة "د.نظيف " بالتوجيه نحو إلغاءها مواكبها ، بعد أن أحست بسخط كل القوى الشعبية منها ... وإذا كنا تحدثنا عن سيارات الحكومة فلا ننسى أن نتحدث عن السيارات الحكومية التى تجوب شوارع القاهرة لشراء لوازم البيت لوكلاء الوزارة !
- ولدينا فئة ربما لا تأخذ حقها من الأضواء لأنها تعشق " الليل وأخره " ولا تدخل القاهرة كثيرا هذه الأيام وشعار الليل هو " أمشى وأنت نايم " أو على الأقل " مونون " وطبعا لأنهم لا يخشون الطريق لأن من يقترب منهم فى الغالب لا يشعرون به الا تحت "الدبل" وهو حزب مؤثر جدا فى نسب الحوادث الدموية فى مصر "حزب التريللا " وبالطبع يكفى الاسم فخرا ً أن ينطق دون أن نذكر مثالبه ومفاخره العظيمة.
- هذا مجرد تشريح بسيط للقوى السياسية داخل الشارع المصرى ، وكما يتضح منه أن صديقنا الأجنبى لم يكذب حينما تحدث عن الديمقراطية المصرية ، التى تجمع بين أنياب الميكروباص وديناصورات الهيئة والمدفنون تحت الأرض القادمون بقوة على الساحة والرأسماليون الكبار أصحاب العيون الجريئة ...
- يتبقى لنا مزيد من الإيمان بالتجربة الديمقراطية المصرية ونقلها إلى العالمية حيث تحتاج إلى نوعية جديدة من الكتب السياسية على نمط "الكتاب الفوشيا " الذى ربما يجمع كل القواعد الذهبية المرورية التى تبدأ من شعارات "ابو مروة الغلبان " حتى " سيبونى فى حالى أنا بأجرى على أيتام" والتى ترد على كل نظريات ماركس وانجلز ، بل وتطبق مقولة أدم سميث " دعه يعمل دعه يمر " بفلسفة جديدة " دعه يمر سيبه يجرى" وتحبط الطريق الثالث بتقديمها الحل بفلسفة "الطريق العكسى ".
- إمضاء : مواطن حيران بين "الهيئة والميكروباز"
Tuesday, January 5, 2010
الحرية على الطريقة المصرية
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment