Wednesday, December 24, 2014

3-ساعات الفراق


 
لم تستلم الرسالة الأخيرة لأنها أغلقت الخط سريعا.. أما هو فقد لمعت فى رأسه فكرة أن يأخذ سيارته ليتجول فى وسط البلد سوف يعرفها ............. وبالفعل هرول إلى ملابسه ... لم يعرف كيف ارتداها أو كيف وجد نفسه فى الطريق تذكر فقط اعتذاراته لوالدته .. وهو يغادر مهرولاً ... قضى وقتا طويلاً يتجول بالسيارة فى شوارع وسط البلد ... تصور ارتدائها لفستان أسود ... أرملة .. لم يعرف ماذا ألم به... لقد قابل كثيرين من قبل على الإنترنت ودخل معهم فى حوارات لكنه لم يفكر أن يقابل أحد منهم أو أن شغل تفكيره أحد من قبل .. ظل يهيم بسيارته فى شوارع وسط البلد فى لفات متتابعة .. لم يصل إلى شئ تعلقت عينه بأكثر من سيدة .. تصورها فى ذلك الفستان الأسود القصير أسفل الركبة قليلاً شعر أسود فاحم ... أشكال عديدة تخيلها ..............

أما هى فحينما أغلقت الخط رفعت سماعة التليفون واتصلت بصديقتها العزيزة ... وهمست فى التليفون بصوت واهن نادية موش ح أقدر أخرج النهارده ؟

-       ليه ؟

-       ظلت تسوق أعذار واهية .. شعرت بها نادية .. وقالت لها طيب أجى أزورك ....

-   كلمينى قبل ما تيجى وأكملت اعتذاراتها عن الخروج وعادت إلى الإنترنت مرة ثانية تبحث عنه .. وعبثاً حاولت أن تجده ... ثم أغلقت الخط يائسة وجلست شاردة لا تعرف ماذا تفعل .. فقد ألغيت مواعيدها .. وظلت فى المنزل .. ..أخذت تفكر فى ذلك الشخص الذى ارتبطت به بهذه السرعة دونا عن أشخاص كثيرين تعودت على مقابلتهم ... وأقنعت نفسها أنه يجب عليها  أن لا تدخل فى الواحدة صباحاً كما اتفقت معه من قبل ... يجب أن تقاوم تلك المشاعر تجاه هذا الشخص التى لم تتعرف عليه إلا منذ وقت ضئيل؟!

مرت الدقائق ببطء عليه وهو يجلس على أحد الكافيتريات فى وسط البلد كان يتصور أن المكان مناسب لمراقبة الطريق ... ومع كل واحدة ترتدى الأسود كان تفكيره يذهب بعيداً أتكون هى .

نظر فى ساعته وجدها الحادية عشرة .. لام نفسه كثيراً على هذا الوقت الذى ضاع هباء منثور.. ساعات القراءة المقدسة يوم الجمعة .. الجلوس مع الأسرة فى هذا اليوم .. تذكر أنه حتى لم يتناول غذائه حتى الآن

.. عاد إلى المنزل مسرعا ....

قابلته والدته .. بوجه عابس طبعاً كلت بره ...

-       رد باقتضاب لا ...

-       أخذت تكيل له التوبيخات المعتادة التى تقولها ....... شاركها والده ماكنش في محل فيه ساندويتشات...

-       هرب من تلك الملحمة الأسرية .. بصوت أعلى مما تعود أن يحدثهم به .. أنا جعان ...

-   وضعت والدته الطعام .. اخذ يأكل وذهنه شارد ... عينه ظلت معلقة بساعة الحائط .. اقتربت من الثانية عشر والنصف .... لم يعرف طعما لما يأكله  .. هم بغسل يديه ...

-   استمرت الملحمة الأسرية .. والدته قائلة : طبعا داخل تقرأ وتسبنا .. والده : .. لا تقرأ وأنت نايم علشان عينيك ... تسأل فى نفسه متى يسأمون من تلك النصائح الخاوية ...

ودهشت والدته وهو يفتح جهاز الكمبيوتر .. شعرت بالقلق .. انقلبت برامجه المقدسة ليوم الجمعة بشكل غريب لم تألفه من قبل ...   

ذهب إلى نفس الغرفة .. لم يجدها .. مضت الدقائق بطيئة .. تلقى عدة رسائل لم يرد على أى منها سمع تعليقات فى الغرفة عن صمته الغريب .. وظن الجميع  أنه جهازه به مشكلة لذلك لا يستطيع أن يتحدث ..

ظل قابعا فى مكانه .. يتجول بين صفحات الإنترنت بجزء من الشاشة والجزء الآخر مفتوح على الغرفة يرقب كل من يدخل ... يبدو أنها تاهت فى دروب الإنترنت .. عليه أن يؤمن بآرائها لا توجد علاقات متصلة تصنع على الإنترنت...

ظلت هى فى المنزل . تلقت دعاوى أخرى للخروج فى وسط النهار .. تجاهلتها جميعا ... قلبت كل القنوات الفضائية لم تثبت على شئ ... جاءتها نادية حاصرتها بالأسئلة ... كانتا صديقتين حميمتين لهما نفس الظروف .. لذلك فقد كانت نادية تشعر بالغيرة كلما أقترب أحد من ندى ... كانت تريدها لها .. كانت تخشى أن تفقدها .... ظلت تشيح بوجهها عنها .. لكن عبثا لقد أيقنت أن هناك شئ ما .... وانصرفت وهى تحمل قلقا على صديقتها الحميمة.. أو ربما غيرة أن يفوز أحد بقلبها ... لقد كانت تتذكر كيف كانت أيامها صعبة حينما يتقدم أحد إلى ندى لخطبتها .....

أما هى فقد شعرت برغبة فى كسر ما أقنعت نفسها .. به فكرت فى أن تدخل على النت ... حاولت أن تقنع نفسها بصداقة بريئة ... لكنها لن تخترق حصاراً فرضته على نفسها منذ خمس سنوات .. حتى حينما بدأت فى استخدام الإنترنت لم تتجاوز حدودها إلى هذا الحد ...

ألقت بنفسها على السرير .. ظلت تقاوم رغبتها الجامحة فى أن تدخل على الإنترنت لتكمل ذلك الحديث ...

لم تدرى كيف مضى الليل .. أحلام كثيرة مرت بها كانت كلها سيئة...

أما هو فحينما وصل إلى العمل ذلك الصباح .. قرأ كل من فى المكتب أنه لم ينم ليلته كان شاردا على غير العادة .. وروحه المرحة غير موجودة ... ولفت انتباه الجميع مما جعل الكثيرين يسألونه مالك يا طارق ؟ .. لم يزد عن كلمات " أبدا لم أنم الليلة جيداً ... كان مشهورا بذهابه المبكر الى السرير .. سمع الكثير من التعليقات طبعا تلاقيك مثلا نمت 11:15 بدلا من 11:00 كانوا دائما ينظروا إلى حياته المنظمة بشئ من الدعابات ..

 أما هو فقد كان سارحاً فى ملكوت آخر .. تساؤلات عديدة مرت عليه ؟

هل أصابها مكروه .. ؟ أنها لا تخلف موعدها ... كيف عرف أنها لا تخلف موعدها ... انه يحترمها .. ذابت تلك الأسئلة مع انتهاء ساعات العمل .. هم بأن يركب سيارته .. ركب معه أحد زملائه كان دائما يقوم بتوصيله إلى البوابة .. أو إلى اقرب محطة حسب اتجاهه .. تذكر أن هذا الزميل يسكن فى منطقة روكسى ..

ابتدره بالسؤال :

-       ناصر أنت رايح البيت ؟!!!

= استغرب سؤاله أمال رايح الغيط ؟ مالك يابنى فى إيه النهاردة أنت موش طبيعى ؟

-       أبداً أنت موش ساكن فى روكسى ؟

= نعم .. أنت لحقت تنسى بيتى ؟

-       أبدا أبدا .. أنا أصلى عندى مشوار فى مصر الجديدة ممكن أوصلك لحد البيت ...

= هايل ياسيدى ليك علي أغذيك النهارده عندى ...

-       لا موش ح ينفع .. علشان المشوار ...

= مشوار أيه يا سيدى ..

-       لا أبداً ..

= خلاص يا سيدى أسرار بقى .. يمكن يتم المراد ونفرح بيك .؟! كان مشهورا فى العمل بأشهر العزاب فرغم سنه الصغيرة .. فقد كان معروفا أنه وحيدا أسرته ومشاكله المالية محلولة فلم يكن أحد يدرى سر عزفه عن الزواج ... !!!

-       لا يا سيدى فكرك مايروحش بعيد ... ده مجرد مشوار أسرى عادى ..

= ربنا يوفقك يا سيدى ...

-       ضغط على دواسة البنزين بعنف كان يريد أن يتخلص من زميله ..الذى أحس معه بأنه متهم أمام وكيل نيابة من كثرة أسئلته ...

= طارق العجلة من الندامة ؟! أنت طريقة سواقتك تغيرت ؟ عمرى ما شفتك بتسوق بسرعة كده ؟؟ ..

-       ابداً يا سيدى .. أنا فاكر أنك مستعجل على الوصول  لبيتكم ...

= لا يا سيدى ولا مستعجل ولا حاجة .. خليك على مهلك ...

وصلا أخيرا إلى بيته تمسك به كثيرا كى يصعد معه .. وتحجج بالميعاد الذى لديه ... ترك  ناصر عند البيت وأخذ يفكر ؟ ماذا أتى به إلى مصر الجديدة أى ميعاد لديه هنا حتى يقطع هذه المسافة بعيداً عن بيته ....

لا لن يقضى بقية اليوم فى الحملقة فى المارين فى روكسى بحثا عنها كما فعل بالأمس .. استدار من أول ملف عائدا إلى منزله ...... عاد إلى منزله متأخراً وجدهم اتصلوا به فى العمل حينما تأخر .. نسى فى غمرة تفكيره بها ميعاد الغذاء المقدس .. كان يعود تقريبا فى نفس الموعد إلى المنزل ... ينتظرونه على الغذاء .. هو حريص على هذا الطقس فقد كان يعرف أنه بالنسبة لهم كل حياتهم ... ربما استاء كثيرا اهتمامهم المبالغ به الذى اصبح بمرور الوقت ليس اهتمام بل قيود ....لا يستطيع أن يأكل فى الخارج كثيراً ... يهتمون بأكله وبشربه وبكل همسة يفعلها .. حتى حينما يغلق غرفته ليعيش فى عالمه السحرى وسط كتبه .. فأنه يجد أحدهم يدخل عليه الغرفة فجأة مبدداً المناخ الوهمى الذى يخلقه لنفسه .... !!!... فى بعض الأحيان عليه أن يأكل وهو غير جوعان لمجرد مشاركتهم .. أو لمجرد إرضاء اهتمامهم ...  يقص على والده قصه العصفور المسجون فى قفص من ذهب والذى يرغب فى الحرية ..ولن يحس بقيمة الذهب لأنه لا يحلم إلا بالحرية .... يرد عليه دائما بأنه سيكون حرا إّذ تزوج .. فلماذا لا يفكر فى الزواج حتى يسعدهم ... كان الشئ الوحيد الذى لا يرضيهم فيه هو قضية الزواج .. كان مازال يريد أن يبنى لنفسه حياة قبل أن يخطوا  تلك الخطوة ونادراً ما كان يجد تلك الفتاة التى تتحدى تفكيره .....

أكل سريعاً .. وغير ملابسه .. لم يقرأ جرائد اليوم كما تعود فى ذلك البرنامج اليومى البسيط الذى قلما يتغير .. ذهب إلى الإنترنت ليبحث عنها مرة أخرى ..

ومرت عدة ساعات ... ولم يجد بداً أن يخرج من على الإنترنت عليه أن ينسى تلك الفتاة ... .أنها سيدة ...لا يجب عليه أن يفكر بها .. كل النساء يغلفون أنفسهم بكثير من الغموض .. لا يجب أن يستسلم ...

بدأ فى قراءة الجريدة . لم يستطع أن يصل إلى منتصفها .. أخذه النوم ....

يومها لم يكن أسعد حظا لم تفلت من حصار نادية .. ووجدته فرصة لنسيان اليومين السابقين .. ورغم إخلاص نادية لصداقتهما .. فأنها كانت تشعر بها قيداً عليها ... ساعات كثيرة تأمل فى الهروب من هذه القيد .. ولكنها أوقات كثيرة لا تجد من هذا القيد بداً  فنادية مطلقة أكبر سنا .. لكنها صديقة مخلصة .. يقضيان الوقت الطويل معا ويوميا يتقابلون . سواء للتنزه أو للجلوس فى المنزل أو فى زيارة الأصدقاء .. بل يلتقيان على الإنترنت .. حياتهم مرتبطة ... تجمع بينهم الظروف المتشابهة ... لذلك قضيت اليوم معها .. ولكن حس نادية لم يخيب فقد كان "ندى" شاردة الذهن .. تتحاشى النظر إليها .. ورغم غلبة الفضول على نادية . فقد تركتها حتى تبوح بأسرارها الدفينة .. لأنها تعرف أنها فى النهاية لها .. مرور السنين قضى على القلق من أن يؤثر شيئا ما على صداقتهم ... 

  ولكنها فى النهاية .. عادت إلى المنزل تمسكت بنادية معها حتى وقت متأخر كانت تسكن بالقرب منهم مع والدتها  .. كانت تريدها أن تظل معها خوفا من أن تجلس وحيدة لن تستطيع أن تقاوم الرغبة فى أن تراه مرة

أخرى .. رنت كلمة  "تراه" فى رأسها .. إنها لم تره أنه مجرد شخص وهمى كما قالت له ... أخرجها من شرودها صوت نادية وهى تطلب للمرة الخامسة فى لقائهم ان تذهب إلى منزلها .. لم تجد بدا فى السماح لها بذلك فقد قاربت الساعة الثانية عشر ... 

حينما استيقظ من نومه لم يجد الكثير ليفعله .. قرر أنه لن يدخل على الإنترنت إلا كما تعود .. لكنه لم يفى بم عاهد نفسه عليه .. فى الحادية عشر كان مرابطا فى نفس المكان ..

أم هى فقد ودعت "نادية" وعادت لتفتح الإنترنت .....

1 comment:

Anonymous said...

جميلة 🌹🌹🌹