Sunday, November 4, 2012

الرحلة


  • سوف تسافر إلى ما تظنه أخر العالم لكنك فى النهاية سوف تقابل نفسك مرة اخرى ... حينما كنت اعد لتلك الرحلة كانت تسبقنى الامانى والإمنيات فى اوقات كثيرة كنت ارغب أن لا تأتى وكانت الرحلة تقترب حتى اظن أنها اقرب من حبل الوريد ، واحيانا اخرى تبتعد حتى اظن أنها لن تاتى أبدا وانها مجرد احلام ضائعة. وفى النهاية وجدتنى هناك اركب الطائرة لأول مرة فى حياتى ، لأوقات طويلة كنت اعرف انواع كثيرة من الطائرات ، بل كانت افلامى المفضلة تلك الافلام الخاصة بالمطارات والتى غالبا ما تتعرض فيها الطائرة للاختطاف وخلافه ، لفترات طويلة كنت احاول أن اعرف اى طائرة مقاتلة من شلكها او بمجرد النظر حتى أن هناك نوع من الطائرات الهليكوبتر اعرفه من مجرد صوته ، بل أننى قضيت بعض من فترات دراستى وانا اتصور كل فتاة او سيدة اعرفها مجرد طائرة ودوما اعطيها نوع ما هذه طائرة متعددة المهام وهذه لا تصلح إلا لطائرة نقل سواء نقل ثقيل أو خفيف. وجلست فى طائرة الشركة الوطنية كان امامى أن اختار من اكثر من شركة لكننى فى النهاية اخترت الشركة الوطنية البعض أثنى على هذا الاختيار وآخرين قالوا اننى وطنى بطبعى ودعابات كثيرة سمعتها عن ذلك. لا احاول أن اكتب تأريخا لتلك الرحلة لكننى احاول أن اتذكر لحظات مرت اراها الآن كانها حلم قصير مضى تعبر كفلاشات الآن ، ندما على أننى عدت أو فرحا بأننى كنت اقرب الى النجوم .. ارانى جالسا هناك بلغتى الإنجليزية التى توصف بأنها تهتهه فى بعض الأحيان ثم فجأة ارانى ادير حديثا يتجاوز الساعة فى بعض الأحيان فى اكثر من مناسبة للحظات تصورت أننى لست أنا .. وأوقات اخرى كان الاحباط يسيطر ، ايام تجد الرحلة تتسرب من بين يديك ، تغوص فى العمل دون أن تشعر بأن ميعاد سندريلا قادم لا محالة وانك عليك المغادرة حيث لم يعد فى الوقت بقية .. تتمنى أن تقف عقارب الساعات عن تلك اللحظات ترى نفسك فى قرية عالمية صغيرة ترى شخوصا يمثلون دولا ، وتجد نفسك محاصرا تتصور نفسك سفيرا لبلدك ، لحظات تفخر بمصريتك واوقات تلعن أنك ولدت فى تلك المنطقة الموبوءة من العالم .. تشعر بعاطفتك تجاه بلاد فى مثل حالك تتصور أنك تفهمهم ، تبحث عن اشخاص تتصور أنهم يمثلون تلك المنطقة تجلس مع الصديق وتحاور من تظن أنه العدو.... تشعر بأنك لست أنت تسير الأيام بين يديك دون وقت معين ويضيع الحلم وتجد نفسك راكبا طائرة اخرى عائدا إلى احضان الوطن !!!!! او اوهامه..

Wednesday, July 27, 2011

اتقوا الله فى مصر


  • فليسمح لى الراحل مصطفى شردى أن استعير ذلك العنوان النارى الذى كتبه فى جريدة الوفد منذ سنوات طويلة قبل أن يتوفاه الله والذى ادعو الله بالرحمة ليس فقط لأنه كان من انزه المعارضين الشرفاء حبا فى مصر ولكن لأننا فى تلك اللحظات الفارقة من عمر الوطن نحتاج أن نتقى الله فى وطننا الذى يجمع شملنا.
  • وادعو العامة والخاصة من اتاه العلم ومن يحتسب نفسه عالما أن يلتزم الصمت للحظات وأن يعمل لصالح ذلك الوطن ، لا اطمع فى أن يستعرض كل طرف سياسى أو تنفيذى عضلاته سواء كانت قدرته على الحشد أو قدرته على التفرقة ، ادعو الجميع إلى العمل من اجل صالح الوطن ، لا العمل من اجل صنع مجد شخصى إن مصر فى فتنة حقيقية وفى حالة سيولة والجميع يعمل لصالح تفكيك الوطن وتركيبه حسب رؤيته واهوائه الشخصية.
  • ما اود قوله أن الوطن لنا جميعا نعيش حاضره ونملك مستقبله ، ليضع كل مننا رؤيته لتنافس من اجل تحقيق تلك الرؤى دون تخوين أو استخفاف لنصنع مجدا يليق بمصر ، لنستكمل البناء لا نستطيع أن نمحو تاريخا يعتبره البعض أسودا أو يعتبره البعض لم يدنسه السوء ، فلنضع اللبنات فوق الللبنات لنرفع أعمدة هذا الوطن من جديد لنرفع راياته خفاقة غير منكسة وذليله.
  • الوطن لن يصنع بالمليونيات والوقفات والطلبات التى لا تنتهى ، لا نريد أن يدور الوطن فى تلك الحلقة المفرغة نريد للوطن عزه ومجده ، الوطن تبنيه السواعد العامله كل فى مكانه وليست الحناجر الزاعقة.
  • لا نريد فتنه تفرق بين اسلامى وقبطى ، لا نريد وطن تتمرس احزابه دفاعا عن الذات وترفع شعارات اغلبها ضد الطرف الآخر وليست شعارات للبناء والنماء ، لا نريد أن يفرقنا الله شيعا نريد أن نعتصم بحبل الله ونبنى ذلك الوطن مهما كانت دياناتنا وانتمائتنا الفكرية.
  • الدعوة موجهة للجميع هذا وطننا الذى يعيش فينا ونعيش فيه كلنا مفتنون بأنفسنا ، كلنا لا يرى إلا نفسه فى تلك اللحظة ويحتكر الحقيقة ، فلننظر إلى وطننا فلننشد له الأمن والسلام ،فلنبدأ فى البناء.
  • ليس لدى علاج ناجع ولا احتكر الحل الوحيد ليس فى معيتى شئ ، ليس لدى قلمى ما ينزفه على تلك الأوراق إلأ أن نتقى الله جميعا فى مصرنا الغالية.

Saturday, March 19, 2011

يد مغموسة فى الحبر الفوسفورى

  • هذا الصباح
  • قبل أن يدق الموبايل بجوار رأسى قمت فى السابعة ، واصحطحبت والدتى واختى وابنتها إلى اقرب لجنة انتخابية لم تكن المرة الأولى التى اذهب فيها للانتخابات فرغم كل ما يقال عن تزوير الانتخابات السابقة فقد كنت حريصا منذ أن كان عمرى ثمانية عشر عاما أن يكون لدى بطاقة انتخابية ، وكانت حصيلة ذهابى فى المرات السابقة عدد 2 استفتاء رئاسى على الرئيس السابق كنت اقول بها لا وكان احد اصدقائى وهو احد المشاركين باحداث يناير الماضى يتهمنى بالغباء فلا يوجد رئيس غير هذا !!! ولكنه بعد سنوات ربما ادرك ما كنت اقوله منذ سنوات وخرج فى مظاهرات
  • على أيه حال بقية الحصيلة كانت نعم للاستفتاء على المادة 76 وابطال صوتى فيما يخص ترشيحات الرئاسة لأنى لم اجد فى المرشحين السابقين بما فيهم الرئيس مبارك من يصلح للترشيح ورغم ذلك فقد ذهبت وابطلت صوتى.
  • اما هذا الصباح فكان الأمر مختلفا فرغم اختلافى مع ما حدث فى يناير الماضى فالجميع بلا استثناء اصبح يتعاطى السياسة حتى أن ردهات العمل اصبحت ساحة للمؤيدين والمعارضين ولم يعد هناك عمل !!!! وحتى من يحاول أن يعمل فإن الاجواء مشحونة بالتوتر حتى انك تعمل والتظاهرات تحاصر مبنى عملك وكل عدة ساعات عليك الاتصال بالبيت للأطمئنان على اسرتك أو متابعة الاخبار لتعرف الطريق المفتوح إلى منزلك ايهم تسلك بعيدا عن باقى التظاهرات حيث اكتشف الجميع فجأه أن لهم حقوق واتمنى أن يعرفوا ما عليهم من واجبات قبلها .
  • فى الثامنة وخمس دقائق كان موكبنا العائلى يقف أمام لجنة الانتخاب اندهش الظابط الموجود أمام اللجنة وقال أن علينا الانتظار فنحن لم نصل إلا قبل دقائق معدودة وعليها انتظرنا حتى الثامنة والنصف حتى سمح لنا بالدخول واستمرت دهشة الظابط حيث توافد على اللجنة فى خلال النصف ساعة انتظار العديد من السيدات والرجال واصبح هو اكثرا استعجالا لموظفى اللجنة وبدأت المناقشات لم اسمع بين الموجودين من يقول لا أو نعم لكنى سمعت احد الرجال انا رايح اقول نعم علشان نخلص من الموال الازرق ده كان رجل يرتدى جلبابا واظن انه احد تجار سوق روض الفرج السابق الموجود بجوارنا.
  • تمر سيدة الان بالشارع تقول قولوا نعم مكنا الأول بنقول نعم يا مبارك !!!
  • وربما كان اكثر المشاهد إثارة مشهد رجل خارج من اللجنة الانتخابية وهو يشير باصبعه ويضعه بعيدا عن ملابسه بكل فخر ويقول اول مرة اول مرة من خمسة واربعين سنة علشان ربنا يسترها
  • على أيه حال دعوتى للجميع مؤيد لأحداث يناير أو معارض لأحداث يناير أن ينزل ويقول رأيه بقل صراحة
  • واكرر رجائى مرة ثانية اذا قرأتم هذا فاذهبوا إلى اقرب لجنة
  • قول نعم
  • قول لا
  • حتى قول لاعم بمعنى ان تبطل صوتك المهم المشاركة ده المعنى الحقيقى اللى لازم يحصل النهاردة
  • هذه مشاهدات ذلك الصباح ... من مواطن بسيط يسكن فى حى شعبى يلقبه احمد السقا بعاصمة جهنم روض الفرج ...

Saturday, August 7, 2010

البحث عن حلم


  • حاول كثيرا أن يشارك فى ذلك الاحتفاء الجماهيرى الغير عادى بصعود امريكى اسود إلى سدة الحكم لكنه لم يستطع ليس لأنه عنصرى ولكن لفشله فى الهروب من كل مشاكله اليومية والحياتية للمشاركة فى الاحتفاء سواء على المستوى الاعلامى أو حتى على مستوى زملاء العمل أو الاصدقاء الذى بالكاد يتواصل معهم تليفونيا ، خيل اليه فى مرحلة من المراحل انه سوف يفتح صنبور المياه صباحا وسوف يخبره خرير المياه لماذا جاء "باراك اوباما" للحكم.
  • تصاعدت أثار الحملة عليه وهو يجلس فى مساء ذلك اليوم التاسع عشر من يناير حيث نسى العالم كل ما حدث فى غزة الذى لم يبرد بعد دماء شهدائها وتذكر أهمية وصول أمريكى أسود إلى الحكم ، حاول جاهدا أن يجد قوة للجلوس مع زوجته للحوار أمام شاشة التلفاز لكنها اعفته من المحاولة حينما أومأت إليه بأنها غير قادرة على السهر – لم تكن دوما قادرة ولا هو ايضا- والقت عليه التوجيهات المعتادة بضرورة عدم النوم امام التليفزيون حتى لا تضطر أن تقوم ليلا لغلقه وايقاظه ، ولم يجد بد من الاستمرار هو الآخر حيث تحولت كل البرامج إلى تلك الحملة الاحتفالية المسعورة ، أوى سريعا إلى الفراش ولدهشته وجد زوجته فى نوم عميق رغم أنه لم يستغرق خمس دقائق للحاق بها ، القى نظرة على ابنته فى مهدها الصغير بجوارهم ربما نظر اليها راجيا أن لا توقظهم ليلا أو على الاقل لا توقظ زوجته... القى نظرة على وجه زوجته الملائكى النائم بجواره تذكر الايام الأولى لخطبتهم حينما كان يحاول جاهدا أن يخطف نظرات من ذلك الوجه ، الآن يمتلك الحق فى أن ينظر الى ذلك الوجه ليل نهار لكنه لا يجد وقتا ليتأمله فكر فى أن يطبع قبلة على جبينها لكنه لم يرد أن يقلقها فقد كان يعلم أنها تستيقظ من أقل لمسة لكنه اكتفى بأن بقى متأملا وجهها محاورا جمالها النائم حتى غابت عينيه فى النوم .....
  • لم يدر كم من الوقت استغرق فى النوم لكنه استيقظ ككل يوم خلال العامان ونصف العام منذ زواجه يتساءل أين هو ، ثم يمر به شريط الذكريات سريعا متذكرا أنه اصبح زوجا وأبا ، ولم يطل شريط الذكريات طويلا فقد سمع صوت حركة من جانبه التفت وجد ابنته تحاول التعلق بمهدها وتلتفت نحوه بابتسامة دخلت زوجته ملقية عليه تحية الصباح ومشيرة إليه انه عليه أن يفعل......... مجرد جدول يومى لا تغيب عن سرده ، يعلم علم اليقين إنها لا تلقى إليه التوجيهات أو التعليمات لكن آلية كلماتها هو ما يوحى له بذلك فهو يحفظ جيدا ما سوف تقوله وفق برنامج سرد قد يتغير وفقا للظروف فعليه القيام سريعا .. الفطار.. هل سيتولى توصليها لأن اتوبيس المدرسة قد فاتها أم سيأخذ البنت إلى الحضانة أم هى من تقوم بذلك ، آلية ... تجعله يشعر بأنه مجرد سطور فى برنامج حاسب آلى مما يتعامل معهم ليل نهار فى عمله.
  • يتحرك وفقا لما تفرضه تلك الآلية الحياتية هو فقط ينفذ تعليمات برنامج الحياة ولا يحيد عنه ، لا يميل إلى الفلسفة لم يفكر أهو مسير أم مخير لكنه يريد أن يعيش ولا تعطيه الحياة فرصة لكى يقف ليفكر فيما يفعل ، بالإضافة إلى حبها له تجد زوجته أن أهم ما يميزه هو حبه للحياة وطموحه .. تدعم طموحه بحبها وصابرة معه تعطيه كل الدعم ، يحبها لكنه يشعر دوما بأنهم لا يعيشون بل يتحركون كآلات بلا معنى للحياة يخشى أن يجد وقتا لا يستطيع أن يمضى فى هذا الطريق..
  • يتحرك كترس صغير داخل تلك الماكينة العملاقة للحياة تدور تلك المعانى فى عقله وهو كترس يدور فى فلك الحياة لم يشعر بالافطار أو كيف تركع للصلاة أو كيف وجد نفسه داخل ملابسه ، يركب سيارته يلقى تحية الصباح على زوجته تتعلق به ابنته يضعها بكرسيها فى السيارة بجانبه ، غير وضعها فى السيارة أكثر من مرة فقد كان مغرما بأن يضعها معه أثناء القيادة بحيث تبقى دائما قريبه منه ، انتبه فى أحد المرات لأحد أصدقائه وهو يذم هؤلاء الآباء الذين يضعون ابناءهم معهم اثناء القيادة وخطورة هذا على الطفل ، لم يقل له أنه من هؤلاء الآباء لكنه اصبح يضعها فى الكرسى الخلفى لزيادة الأمان ولكنها تبكى فى هذا المكان رغم اجتهاده فى مداعبتها وقد استقر به الأمر فى النهاية أن يضعها على الكرسى المجاور له ويعكس اتجاه كرسى الاطفال الخاص بها حتى تبقى متعلقة بنظره ومتعلق بها ، عليه أن يذهب بها للحضانة ربما تلك البسمة والبراءة الطفولية هى ما تجعله ينبض بالحياة من جديد ، كثيراً يتمنى أن يترك كل شئ وراءه ويعود للمنزل لكى يقضى اليوم معها. ينفطر قلبه كثيرا حينما يتركها على باب الحضانة لم تعد تبكى حينما يتركها لكنها تتطلع له بعينيها بنظرة تطعنه طعنة نجلاء يقرأ فيها كلمات كثيرة .. يشعر بذنب كبير أن يتركها هنا ويذهب كذلك والدتها المشغولة معه فى توفير الحد الأدنى للطفو فى بحور الحياة...
  • لم تتركه السيارة كثيرا فى تأملاته الحزينة فهى منذ تزوج لم يعد يعرف كم مرة يذهب بها إلى الميكانيكى والكهربائى وكافة العاملين فى مجال السيارات ، كان يفخر بما يقوله اصدقائه دوما عن سيارته بأنه يحس بها من صوتها وأى صوت غريب يستطيع أن يجيب عن مصدره ويعرف العيب ... لكنه الآن لم يعد يستطيع أن يحدد الآمها التى تزيد من اعباءه .. ارتسمت على شفتيه ابتسامة أن السيارة تغير من زوجته لذلك فهى تنقلب عليه هى الأخرى ، وتوقف ليرى ماذا ألم بها .. عبث قليلا بالأسلاك .. وحمد الله أنها استجابت واستمرت فى السير قرر أن يكافئ نفسه وادار الإذاعة عليه أن يصل الاسلاك وهو يقود لكى يعمل الراديو ... واخذ ينصت وهو يفادى الديناصورات من حوله –اصبح يفكر مثل زوجته فهى تطلق ذلك على سيارات النقل- دهش أن محطة الاغانى الوحيدة التى تعمل فى راديو السيارة لا تذيع اغانى لكنها تتأهب لنقل احتفال تنصيب الرئيس الامريكى .. وأحد المعلقين يسهب أن وجود أمريكى أسود قد حقق حلم مارتن لوثر كينج فى الحرية والمساواة... مر بخاطره مقولة مارتن لوثر كينج ... "لدى حلم"...تلك المقولة الذى رددها فى احدى خطبه المشهورة التى تحولت فيما بعد إلى أيقونة لكثيرين فى تحقيق احلامهم ، وقد جمعه حوار مع زوجته وترجمت له مقاطع تحفظها من تلك الخطبة فى فترة الخطوبة ورد عليها بكلمات اغنية اجنبية تحمل نفس الكلمات "لدى حلم ، اغنية اغنيها لكى اتغلب على اى شئ" ردد معها ذلك حتى تحقق ما وصلا اليه ، لكنه يتسائل الآن أين حلمه الآن .. هل وئد تحت تروس الماكينة العملاقة للحياة....
  • دوما يذهب مبكرا عن موعد العمل لأن الطريق من المدينة الجديدة التى يسكن فيها إلى قلب المدينة يغلق عن الثامنة يوميا لمدة نصف ساعة تقريبا توطئة لمرور مسئول كبير ، وهو حريص أن يتحرك قبل غلق الطريق للموكب والذى يتم يوميا دون أدنى تفكير أن تلك النصف ساعة تجعل السكتة المرورية المزمنة فى الطريق جلطة تصيب المرور بالشلل لساعات بعدها ، يقضى وقت الانتظار فى أحدى المقاهى بالقرب من العمل ، سمع الاخبار وهو يجلس على المقهى بنصف تركيز وضع عم عبده القهوة أمامه وهو مكتئبا وهو يعلق " قربوا يوقفوا الضرب " كان يقصد على ما يحدث لغزة تطلع إلى شاشة التليفزيون المشهد على تلك الوجوه العفنة التى تتابع النجاح فى قتل الاطفال والنساء وتصدير الابتسامات للعجزة الذين يكتفون بمتابعة المذابح على الشاشات والصياح فيما بينهم ، لفت نظره أنهم جميعا يجلسون وظهورهم للحائط على مائدة صغيرة وهى قاعة اجتماعات مجلس وزراء..!!! قارن فى ذهنه حجم القاعات التى اقتطعت من مكاتب الموظفين فى عملية تطوير مبنى المصلحة التى يعمل بها أنها قاعات يحتاج من يتحدث فيها إلى وجود وسائل سمعية لكى يصل صوته إلى الآخرين كلفت مبالغ طائلة ، جر ذهنه إلى الاستعدادات التى مازالت جارية لاستقبال المسئول الذى سوف يفتتح المبنى بعد التطوير ، تصب بيانات الإدارات امامه على شاشات الحاسب الألى وتمر أمامه أرقام الملايين التى انفقت فى التطوير ويتصور أن هذه الأموال كانت تستطيع أن تبنى مبنى اضعاف حجم هذا المبنى ، وأنه لو كان يعمل فى المكاتب الأمامية التى تخدم الجمهور فى المصلحة واعطوه جزء من آلاف الاجزاء من هذه الأموال طوال عمره الوظيفى لكان حمل المواطنين على يديه حتى يتم قضاء مصلحتهم ، يعلق احدهم على ذلك "احنا فراعنة وح نفضل فراعنة طول عمرنا" يتحدثون عن بيئة العمل وتحديثها لكنهم لم يلقوا بحفنة من تلك الملايين لتدريب الموظفين أو تحسين احوالهم لكى يعاملوا الناس بأدمية .. فرق كبير بين العمارة وعمران النفوس ، يدلف إلى المبنى بتركيبته الجديدة مظاهر الابهه "رخام ، نجف ..الخ" ويتذكر بالأمس المذكرة الهامة التى كان يجب اخذ الموافقة عليها وتعليق مديره بأنه يجب أن يغير تنسيق الخطوط لأن أهم ما يميز مديرة المبنى هو اهتمامها بالشكل وأهمية تنميق الخطوط ، رغم أن ما كتبه كان سوف يوفر الكثير لكن الموافقة لن تأتى إلا على الشكل وتعبير مديره "أهم حاجة شكل المذكرة يفتح النفس" ، يعلم أن مراجعة ديكورات المبنى تمت اكتر من مرة وانفقت أموال طائلة من اجل الشكل !!!! .. كان تعليق أحد زملاءه على هذا العبث "إنه زمن تمكين المرأة" .. لم يكن من المعترضين على عمل المرأة ولا دورها فى الحياة فزوجته أمرأة عاملة وتجدف معه ليسير المركب فى بحر الحياة المتلاطم الامواج ، لكن المسألة أصبحت شكل عام ، كان يعلم منذ البداية أن هذه السيدة منذ كانت احدى مديري العموم سوف تأتى كمديرة للمصلحة لا توجد مؤهلات حقيقية لها سوى أنها سيدة ويجب وجود سيدة فى منصب قيادى فى المصلحة كتكملة للإطار الشكلى العام ..
  • حينما وصل إلى مكتبه وقرر أن يراجع برنامج عمله اليومى ، دهش أن التعليقات من حوله ليست عن مصاعب الحياة ولا على استمرار جريمة غزة ، مرة أخرى نفس المتابعة للحلم الأمريكى ... شعر بأن ما يحدث غسيل دماغ اعلامى له شخصيا..
  • لكنه لم يدم فى افكاره فقد وجد استدعاء عاجل من مديره انه يحضر مبكرا هذه الايام فى اطار متابعة الزيارة المنتظرة الميمونة ، ربما سوف يراجع العرض الذى سوف يتم تقديمه أمام المسئول ...
  • تنحى جانبا أمام مكتب مديره فقد وجد مديره يودع أحد ضباط الأمن حتى الباب لكنه ليس من العاملين بالمبنى .. فحجم الرتب الموضوعة على كتفيه كثير ، هو لا يعرف ماذا يعنى وجود نجمة بجوار نسر فقط يعرف أن كلاهما يحلق فى الفضاء وربما هذا هو السبب فى تعالى رجال الأمن على الجميع بدعاوى أمنية..وربما المقص هو الألة الحادة التى تخيف الناس منهم ..
  • بادره مديره "أهلا يا باشمهندس"... واستطرد "محمد باشا كان عندنا علشان ترتيبات الزيارة أكيد متعرفهوش" ده مدير المراسم فى الوزارة – يعرف أن الالقاب توزع بلا قيود لم يعد عليك أن تدفع كثيرا لتحصل على لقب مثل "باشمهندس" فهى تلخص كل المهن فى مهنة واحدة والباشا والبيه ترمز لنفوذ ما لا يدرك معناه بدأت مع رجال الشرطة ثم وزعت على كل الناس دون تفرقة حسب ما تجود به نفسك وتقديرك لمن امامك-.. علشان كده أنا استدعيتك لأن هناك بعض الأجراءات الهامة الذى يجب أن نتخذها لمراجعة ترتيبات الزيارة.
  • واستكمل أنا عاوزك تلغى فكرة العرض الحى أمام المسئول ، وبدا اكثر جديا وهو يضيف لنفسه مزيد من الأهمية : الزيارة لن تحتاج إلى وجود كل العاملين فى المبنى ومحمد باشا استعرض بعض الترتيبات التى قد تحتاج أن نغلق اجهزة الحاسب العملاقة الموجودة فى المبنى لأنها تؤثر على الترتيبات الأمنية ، لم يستوعب ما قاله فما يطلبه يعنى توقف العمل فى اغلب المكاتب المرتبطة بالحاسب الرئيسى بالمبنى فى عدد من المحافظات .. لكن مديره استكمل هامسا "فى الحقيقة المسئول اللى جاى ربما يكون أكبر مما نتوقع" والزيارة سوف تكون خلال الايام القليلة القادمة ، ربما عند هذه النقطة تحديدا قرر أن يتوقف عن التفكير فيما يقوله وتركه يسرد مزيد من المبررات والمخاوف والايماءات الخفية حتى توقف ثم طلب سماع رأيه..
  • إن ما يطلبه هو البسيط فقد قام بهذا الأمر اكثر من مرة فى التحضيرات التى تجرى فرد على مديره بكل بساطة كل ما تريده سوف يتم تنفيذه قبل الثانية عشر ظهر اليوم واستقبل الرجل كلامه بالفرحة الغامرة معقبا لو ده أكيد ابلغهم من اجل تحديد اقرب ميعاد للزيارة وطبعا لا اريدك أن تقلق فجهدك أنت وفريق العمل محفوظ...
  • خرج من مكتب مديره تتصارعه الافكار لم يعد يعى لماذا لا يرى الجميع الصواب ليس من المعقول أن يكون هو العاقل الوحيد فى هذه العالم ، لكنه رضخ ونفذ ما طلب منه وفكر فى أن يطلب أيضا أن يكون خارج مجموعة العمل أثناء الزيارة ويأخذ وقتا للراحة والتفكير بعيدا عن كل هذا الهراء ...
  • قبل الثانية عشر كان فى مكتب المدير الذى استقبله بالترحاب الشديد ، ولم يمض وقت طويلا حتى عرض عليه كل التفاصيل ، وقد بدا المدير سعيدا جدا بالسرعة فى الانجاز ولكنه تأسف له أن طاقم العمل خلال الزيارة سوف يكون فريق هندسى تابع للأمن يدير الأمر كله وعليه فقد حصل على الاجازة التى كان يريد أن يطلبها دون عناء وحصل فوقها على وعود سخية أخرى لم يأبه بها بسبب ما يدور فى عقله من أفكار...وقرر أن يخرج من كل هذا ويعيش حياته البسيطة.. طلب رقم زوجته التى انزعجت لطلبه لها حيث لم يتعود أن يفعل ذلك كأيام خطوبتهم الذى كانت تليفوناته فيها لاتتوقف... بدت منزعجه لكنه طمئنها ولكن صوته جعلها أكثر قلقا وجاء طلبه مؤكدا حقها فى القلق ولكنه لم يتركها تسترسل فى أفكارها وكان قاطعا أنه يحتاج إلى اجازة..حاولت المناقشة لكنه كان هذه المرة حادا وهو يعلق انه يعرف أنها مواعيد امتحانات نصف العام والدروس واردف حاسما "دبرى مواعيدك احنا محتاجين اجازة" اغلقا الخط على أمل أن ترتب مواعيدها وتعيد الاتصال به مرة أخرى ، ولم يبق من مكالمته إلا صدى صوت يتردد داخلها : "محتاجين اجازة" ، لم تعارض لأنه لخص مشاعرها فى تلك الكلمة البسيطة ، لأنه تحدث عنهم ككيان واحد منذ وقت طويل لم يفعلها ، انها تريد تلك الاجازة فعلا فقد نسيت أخر مرة جمعهم حوار ما ، غير تلك الحوارات التى تقتضيها ساقية الحياة التى باتت تشعر معها دوما بأنهم تحت الماء ولا يصعدون سوى لأخذ نفس يساعدهم على الغطس مرة أخرى.. حتى حياتهم الإنسانية اصبحت تؤدى كواجب مبتور دون تلك المشاعر أو الأحاسيس التى كانت تملئ أيام الزواج الأولى حيث كانت تشعر بالفرحة والأمان وأنها امتلكت العالم بأحضانه.
  • وقعت فى "حسبة برما" لكى تستطيع أن تدبر مواعيدها ، ورغم تدبيرها المحكم وجدت أن ترتيبها يعتمد على كثيرين فيجب أن تلبى تلك المواعيد مواقف تلاميذها أو أن توافق مديرة المدرسة على الاجازة من الاساس ، ثم أن عليها أن تبقى يوما أخر قبل الامتحانات تقوم فيه بمراجعة نهائية ، لم تكن متأكدة أنه سوف يوافق عليه أو حتى أنه سوف يوافق على رحلة اليوم المكوكية لاتمام كافة الدروس ، دارت أسئلة كثيرة : هل تبدأ بموافقته ؟ أم تبدأ بموافقة المديرة ؟ أم أولياء الأمور؟!... ، وفى النهاية استقرت على أن تبدأ بمديرة المدرسة التى تفهمت حاجتها لأجازة وفى ظل عدم التزام الطلبة قبل أيام الامتحانات ، وتبقى أولياء الأمور التى استطاعت بعد عناء شديد أن تقنعهم بالمواعيد وابلغته ووافق على القيام بالرحلة المكوكية لاتمام دروس اليوم ، ونجحا فى الحصول على اجازة لكنهم لا يعرفون إلى متى سوف يبحثون عن حلمهم وسط دوامة الحياة.

Tuesday, February 9, 2010

عطر أنثوى فواح


  • يوم مشحون كان يعيشه فى تلك الاجازة الصيفية ، كان عليه أن يعمل صباحا فى أحد مشاريع المقاولات الخاصة بأحد أقاربه من السابعة صباحاً حتى الرابعة مساءاً ثم يذهب إلى دورة كمبيوتر من الخامسة حتى الثامنة مساءاً ثم يعود إلى مكتب المقاولات مساءاً ليسلم تقريراً عن العمل اليومى فى الموقع الذى كان يعمل به صباحاً ثم يعود إلى منزله ليلا حسب ما تنتهى مناقشات اليوم فى لمكتب ودوما تنتهى تلك المناقشات فى وقت متأخر ، وكان نادرا ما يقول لمن يتعرف عليهم فى دورة الحاسب عن الموقع الذى كان يعمل فيه فقد كان يعمل صباحاً فى موقع للعمل داخل مستشفى الصحة النفسية بالعباسية وكان ذكر شئ كهذا أما أن يصيب من حوله بالضحك أو بالخوف ، وكان يذهب مبكراً إلى ميعاد الدورة فالمسافة بين مستشفى الصحة النفسية ومكان الدورة لا تتعدى عدة محطات أتوبيس ، وكان يجمعه اللقاء بكثيرين قبل ميعاد الدورة وكان أحد أصدقائه يشكو من أن كل مرة يأتى فيها متأخراً يجده يجلس مع فتاة ...وقد أسرف هو وزملائه فى سرد النكات على هذا الأمر وقد كان دوما يعلق قائلا "الموضوع بسيط أنا عندى خمسة أخوات .. فتلاقى واحدة فيها شبه من اختى وواحدة على اسم اختى وواحدة فى شقاوة أختى الصغيرة وواحدة من كلية اختى .. وهكذا يا عزيزى ...." وفى الحقيقة لم يكن جلوسه مع الفتيات عن قدرة بالغة فى التعامل معهن أو لباقة فى الحديث .. فقد كان يعرف الجزء الأول من الدورة لدراسته له من قبل لكن كان يجب عليه أن يبدأ الدورة من المستوى الأول حتى يحصل على المستوى الثانى المتقدم ، وكان كثير ممن فى الدورة يتوجهون إليه بالأسئلة نظراً لسرعة استجابته لأسئلة المحاضر لذلك كان يقضى الوقت بين وصوله إلى الدورة حتى بداية الدورة فى الشرح لأى من الزملاء .. ولحسن الحظ أو لسوءه كان أغلب من يسألونه فتيات ... وفى هذا اليوم دخل مسرعا إلى معمل الأجهزة كان لديه مشكلة مع أحد البرامج وكان هذا يمثل تحدياً له كيف لا يخرج الناتج السليم فى كل مرة .. وحينما جلس على أحد الأجهزة جلست فتاة بجواره .. كان يريد أن ينجز ما هم فى بدءه لكنها قالت ممكن تساعدنى فى فهم ... التفت إليها خيل إليه أنه رآها من قبل حاول سريعا أن يتذكر ذلك الوجه ... بدت خجلة وهى تكمل حوارها أنا لم أفهم .. أخذت تشرح له ما غم عليها من موضوعات ... لم يركز فى كلامها بقدر ما حاول أن يتذكر أين رآها من قبل .. نعم أنها معهم فى الدورة لكنه يزعم أنه رأى ذلك الوجه لم يطل التفتيش فى الذاكرة طويلا فقد وقع نظره من قبل على ذلك الوجه الخجول حينما استخدم الأتوبيس فى الذهاب إلى الدورة عدة مرات .. ولكنهم ورغم أنهم زملاء فى الدورة لم يتبادلوا أى حديث ... ركز فى ما تقول تطلب الأمر منه أن يعيد لها من البداية الأوامر التى لم تفهمها تركها تجرب بيديها حتى يتأكد من فهمها لكل ما قاله وجدها استوعبت كل ما قال .. شكرته وأضافت أنها حاولت أن تفهم بالأمس وأن صديقه الطويل حاول أن يشرح لها لكنها لم تفهم .. ابتسم فى داخله فسوف يجد وقتا لكى ينكت على صديقه لأنه حاول القيام بدوره .... ربما أرضى ذلك غروره الشرقى .. كانت المسألة بسيطة فهو يعرف معادلة الشرح جيدا فكلما تقدم المرء فى السن كان يحرج من أن يقول أنه لا يفهم لذلك لم يكن يكتفى دائما بقول أحد أنه يفهم كان عليه أن يتأكد حينما يجعله ينفذ الأوامر بنفسه ... جلست بجواره طوال اليوم كان يشرح لها ما لم تفهمه فى كل مره لا تستوعب ما يقوله المحاضر .. ظلت العلاقة بينهم سطحية خلال الدورة حتى حينما كان يراها وهو قادم فى الأتوبيس لم يكن الأمر يزيد عن إيماءه بالعين أو بالرأس دون أى حوار .. سوى حوار عابر بينه وبين أحد زملائها فى الكلية شعر بنوع من الغيرة لأنه يستطيع أن يراها كل يوم فى الكلية .. ولكنها بدت مقتضبة فى الحديث معه مما جعله أكثر سعادة ...وفى أخر أيام الدورة سألته عن بعض الكتب فى مجال الكمبيوتر لحاجة أخيها لها .. كانت كتب العام الدراسى السابق له لم يتردد فى أن يشير أن لديه هذه الكتب .. لكن ميعاد الدورة انتهى وهم لن يستطيعوا أن يتقابلوا مرة ثانية ... فكر فى ميعاد خارج الدورة لكن لم يستطع أن يبوح بما يفكر فيه حتى خرجت عبارتها تقول "ممكن تأخذ رقم تليفونى.." بدت العبارة صعبة ومتقطعة وهى تخرج من فمهما وقد عم الخجل وجهها وتلون باللون الأحمر .. لكنه اجتهد هو الأخر فى قتل خجله وهو يقول طبعا طبعا ... أنا رقم تليفونى ... ممكن تكلمينى قصدى أخوكى "علاء" – عرف اسمه من خلال الحوار - يكلمنى ونتفق على موعد .... لم يبدو أسعد حظا فى الخجل لذلك فقد عاونته سريعا .. ومدت يديها بورقة لكى يكتب رقم تليفونه .. شرح لها سريعاً كيف أن برنامج يومه مشحون ومن الصعب أن يعود إلى المنزل مبكراً ... بدا البحث عن ميعاد مناسب للاتصال بالغ الصعوبة لكليهما ... وبدأ اليأس يصنع مع الخجل سيناريو حزين ... لكن لمعت فى رأسه فكرة الاتصال يوم الجمعة .. ماذا عن يوم الجمعة بعد الصلاة تتصلى ونحدد موعد .. .. تهلل وجهها فرحاً وهى تقول "أن شاء الله " الجمعة القادمة بعد الصلاة ...
  • فى صباح يوم الجمعة بدء متوتراً رد على كل التليفونات فى ذلك اليوم على غير العادة بدت والدته مستغربة تصرفاته فقد كان دوما يجلس بجوار التليفون ولا يحرك ساكناً لرناته أغلب الأوقات .. لدرجة أنه قلقها تصاعد وقالت له هو فى حاجة فى الشغل أنت منتظر تليفون ... .. لم يستطع أن يواجه والدته وقام متحركا من جانب التليفون أبداً ابداً " حضرتك دايما تقولى رد على التليفون أنا بأسمع الكلام ...!!!!" .. لم تجد كلمة تقولها ولم تفهم ماذا ألم به ..... تذكر أنها قالت أنها قالت أنها سوف تتصل بعد صلاة الجمعة وليس قبلها لذا لا يجب عليه أن يرابط بجوار التليفون كما فعل حتى لا يُعرف مكنون نفسه .....
  • عاد من الصلاة فكر فى أن يجلس بعيداً عن التليفون ... لم يجد ما يفعله أمسك بأحد الكتب وجلس فى أحد أركان غرفة المعيشة وعينه مصوبة باتجاه التليفون ويحاول أن يركز فى الكتاب لم يعرف كم عدد المرات التى قرأ فيها نفس الصفحة دون أن يستوعب أى شئ .. ظلت عينه تركز على التليفون وشرد ذهنه وأخذ يتسائل هل كان جراهام بل يعرف ماذا سوف يفعله ذلك الاختراع فى الناس فى المستقبل .... خرج عن شروده على رنات التليفون ارتعدت فرائصه لرناته .. هم باتجاه التليفون وخطف السماعة وخرجت كلمة ال...و خافته مع أنفاس متقطعة ... لكن على الطرف الأخر لم يكن المراد ... كانت إحدى أخواته لم تنسى أن تقول له أنت بتجرى من فين ... لم يعلق ولم يستطع أن يتجاذب أطراف الحديث معها كل ما يتذكرها أنه ألقى بالسماعة إلى والدته ... وعاد إلى الكتاب يحاول أن يقلب تلك الصفحة التى على الرغم من أن كلماتها أصبحت محفوظة إلى أن التركيز غير موجود فكر فى أن يعود صفحة إلى الوراء ... وفعلها بالفعل مبتكرا طريقة جديدة للقراءة وقد ظل على هذا الحال يعود بالصفحات للخلف حتى رن التليفون مرة ثانية ... ترك الكتاب وهم بأن يرد لكن المسافة بين التليفون ووالدته كانت اقرب ... رفعت سماعة التليفون ... تلون وجهه .. حينما وجد والدته تقول لمن على الطرف الأخر نقوله مين ... إذا سوف ينكشف المستور .. لم يسأل منْ اخذ السماعة بيد مرتعشة .. ولكنه وجد على الطرف الأخر أحد أصدقائه الذى قال له :
  • - صوتك ماله أنت نايم ولا أيه .. حنشوفك النهاردة " ...
  • - رد قائلا طبعاً .. هو فى فرصة غير النهاردة .. ثم تراجع قائلا " لا لا موش حينفع ... فكر فى ماذا يقول .. لن يستطيع أن يكذب ... "
  • - جاءت كلمات صديقه " مالك يا بنى فيه أبه " ....
  • لم يعرف كيف أنهيت المكالمة كل ما يتذكره انه وعد صديقه بأنه سوف يتصل به مرة ثانية .....
  • عاد مرة ثانية إلى الكتاب اللعين .. يبدو أن عليه أن يقرأ الفصل من البداية أقنع نفسه بأنه لم يكن يركز منذ بداية الفصل حينما هم بقراءة الكتاب ... تصاعدت رنات التليفون مرة ثانية ... رفع السماعة ... الو .. وهذه المرة وجد أخته مرة ثانية قائلة : " معقولة مرتين فى يوم واحد .. صدفة سعيدة .... " ...
  • دب اليأس فى قلبه يبدو أنها نسيت الميعاد .. هم بأن يخرج إلى النافذة لكى يتطلع إلى جو أفضل ... ظلت أذنه مع التليفون لم يستطع أن يصمد كثيرا بجوار النافذة فقد بدا له سماع التليفون صعبا ..... لم يجد بد من أن يعود إلى الطريقة الجديدة فى القراءة وقد بدت فكرة أن يمر سريعا على الفصول الماضية من الكتاب فكرة شيقة له رغم أن أسلوب قراءته كان يعتمد على الجرى فوق السطور .. فكر فى أن يترك الكتاب .. تذكر أنه لم يتطلع إلى الجريدة اليوم .. عاد إلى شريط اليوم وجد أن كل برنامج حياته الذى يقضيه يوم الجمعة تغير تماماً ...رن التليفون بدا أكثر ثباتاً فكر أن لا يرد ربما كانت أخت أخرى من أخواته ... عبر بسرعة على معادلة فى رأسه لو كل أخت تحدثت مرتين عليه أن يمرر عشر مكالمات غير بقية أعضاء الأسرة .. تصاعدت رنات التليفون .. " سمع صوت والدته " رد على التليفون يا مصطفى ... " .. ذهب إلى التليفون يائسا وقد تجاوزت رناته الخمس رنات كان يعدها ضمن منظومة تشتت فكره التى كانت تحسب المعادلة وتقيس عليها هل من الممكن ان تكون اتصلت ووجدت التليفون مشغولاً ... رفع السماعة غير مكترث .. " الو ...
  • على الطرف الثانى وجد صوت شاب ... بدا سعيدا فى نفسه وقد صدقت توقعاته أنه تليفون آخر غير هام ..
  • - لكن الشخص على الطرف الأخر بدا رسميا وهو يقول : " ممكن أكلم الأستاذ مصطفى .... "
  • - حاول أن يتعرف على الصوت .... لكنه لم يدرى من هو رد بإهمال " أنا الأستاذ مصطفى ... "
  • - أنا أسف للإزعاج أستاذ مصطفى أنا علاء ... هم بأن يقول " علاء مين " لكن الشخص لم ينتظر ردا وأردف أنا أخو الآنسة " ليلى " .. لم يعرف ماذ حدث .. نوع من كيمياء السعادة سرى فى جسده ..
  • - لم يعثر على كلمات يقولها .. وبدا علاء أكثر قدرة على الثبات وهو يضيف " ليلى مع حضرتك أنا شاكر جداً لتعبك معانا " ....
  • - زاد تشتت ذهنه كثيراً شعر بالخجل لموقف "علاء" لم يكن ليترك أخته لتحدث شخص غريب ....
  • - آتي صوتها رقيقا وهى تلقى عليه التحية .. وتسوق الاعتذارات عن الإزعاج ..
  • - رسم فى رأسه صفحه وجهها وهى ترتسم بالخجل .. تصور لون وجنتيها والدماء تتدفق إليهم .. واستمر تبادل عبارات المجاملات العادية ... وبدأ البحث عن ميعاد للقاء .. ومكانه ..أبدى استعداده فى أن يتم اللقاء فى الخامسة فى أى مكان فى الفترة بين قدومه من الموقع وذهابه إلى المكتب واستمرت الصعوبة فى المكان .. سأل بصوت خافت " حضرتك ساكنة فين ... "
  • - ردت باقتضاب بالقرب من شارع رمسيس ...
  • - شعر بالحرج شعر أنه كان ما يجب أن يسألها أين تسكن ...
  • - استكملت جملتها ...قرب غمرة ...
  • - خلاص .. ممكن نتقابل عند المستشفى القبطى وأنا راجع من المستشفى ...
  • - ممكن طبعاُ قريب جداً من البيت .. أنا تقريبا ساكنة عند محطة البنزين ..
  • - أيوه أنا عارف المحطة اللى جنب المسجد .. ..
  • - أنا بيتى فى الشارع اللى جنب المسجد ...
  • - .. جاء صوته منتعشا.. بكرة مناسب ..
  • - لا آسفة جداُ مشغولة بكرة ....ممكن الأحد
  • - أن شاء الله اتفقنا
  • تبادلا التحيات النهائية وأغلق الخط ... كانت أطول مكالمة فى التاريخ وحينما نظر إلى الساعة وجد ان دقائق المكالمة لم تتجاوز الثلاث دقائق .. كذب الساعة فقد شعر أن دهراً مر عليه ...
  • لم ينتبه إلى رنات التليفون بجواره وقد تصاعد معه صوت والدته ...." مصطفى ... ولم ينتبه إلى كل ذلك ولكنه وجد والدته ترد على التليفون وهى تكيل له اللعنات ... ولم يفهم ماذا تقصد فقد كان مشغولاً فى أشياء أخرى...
  • لم تكن ليلة السبت ليلة مريحة فى النوم أحلام كثيرة راودته عن اللقاء اغلبها كان سوداويا ... صباح الأحد ذهب مبكراً إلى العمل .... .. وبدا متوترا طوال اليوم ..فلتت أعصابه كثيراً على العمال .. انهارت الرمال من تحت أقدامه وهو يقف فوق أحد ممرات يتم حفرها من أجل الصرف الخاص بالمبنى فوجئ بنفسه وسط الرمال ووسط العمال فى اسفل الخط ... تلون القميص الأبيض بلون الرمال ... نظر إلى حذاءه الرياضى الجديد .. فوجئ به يرتدى الحذاء القديم كان الاثنين على نفس الشكل فقد كان لا يهتم كثيرا بقضية الموضة كان ما يهمه متانة المنتج فقط ... ولكنه ظل يلوم نفسه كيف سوف يقابلها هكذا ..كان كل دقيقة يطمئن على حقيبة الكتب وهل وضع كل الكتب أم لا ..لم يكن هناك وقت لأى شئ آخر..
  • اقتربت الساعة من الرابعة ترك مقر العمل سريعا .. بدت الساعة تمر بسرعة اخذ يضغط على قدمه ظل ينظر فى الساعة مرة وراء أخرى ...
  • شعر أن الأتوبيس تأخر كثيراً ... لكثرة ما كان ينظر إلى الساعة ......
  • وقف أمام المسجد ..... كانت الساعة لم تتجاوز الرابعة والنصف ...أمامه نصف ساعة .. يشعر دوما بالفخر لحرصه على مواعيده .. .. ظل يراقب الساعة برهة ثم الطريق .. خاطره عبرت فى رأسه ميعاد غرامى قرب مسجد .... وأى مسجد ... أنه مسجد يؤمه أحد قيادات الإسلام السياسى من ذوى الأصوات العالية ... تذكر أحد أصدقائه اليساريين وهو يقلد الرجل ويعلو صوته.... " شريعة الله تعطل وهم يتجرعون البيباسى فى الطرقات " ... الرجل يقصد "البيبسى" لكنه ينطقها بعربية مضحكة ... تصور لو كان هناك درس اليوم فى المسجد ورأوه وهو يقابل الفتاة ...." ترى أي حد سوف يطبق عليه " ... " حد الزنى أم حد الحرابة"
  • رآهم وهم يهجمون عليه ..تذكر قول صلاح جاهين :
  • ورا كل شباك ألف عين مفتوحين
  • وأنا وأنتى ماشيين يا غرامى الحزين
  • لو التصقنا نموت بضربة حجر
  • ولو افترقنا نموت متحسرين
  • وعجبى
  • ............ لم يخرج من الهجوم إلا على حركته اللاإرادية للنظر فى الساعة التقط أنفاسه من ذلك الخاطر المرعب ..... مرت الدقائق لوكأنها نصف ساعة بتوقيت " أطول يوم فى التاريخ .. " تذكر هذا الفيلم .. وتصور لو جمع كل الأوقات الطويلة فى موسوعة فلديه أطول مكالمة فى التاريخ والآن أطول نصف ساعة .... اقتربت الساعة من الخامسة أخذ يفكر فى أي الاتجاهات سوف تأتى هى وأخيها كما قالت له ...تذكر الشارع بجوار المسجد تحرك فى اتجاهها .. تسأل فى نفسه على ستأتى فى الميعاد أم ستتأخر كعادة كل الناس ... أخذ يفكر فى سيناريوهات المقابلة كيف سيتكلم مع أخيها...تطلع إلى الشارع وجد سيدة تأتى ومعها فتاة ... وحينما بدءوا فى الاقتراب ... شعر أنها هى .......... نعم هى .. لكن من السيدة معها لم يطل التفكير فقد تحرك فى اتجاههم بالفعل ..وبدت ليلى اكثر شجاعة وهى تقدم والدتها له ... سقطت كل السيناريوهات التى اعددها ... ورغم انتشائه بالفخر لكلام "ليلى" عنه لوالدتها وكيف يعمل .. ومقارنتها بينها وبين أخيها الكسول الجالس فى المنزل طوال فترة الصيف ..فلم يجد الكثير ليقوله...سلم الكتب بدت السيدة تشكره على اهتمامه .. لم يعد هناك الكثير ليقوله .. ترنم بعدد من التحيات .وبدا أنه يجب أن ينسحب افترقا على أمل أن يتم اتصال تليفونى أخر خلال أسبوعين لكى يعيدوا الكتب ... كان غارقاً فى كثير من التسأولات فى رأسه عن كيف رأته السيدة .. كيف كان الانطباع ... ...
  • مر الأسبوعين بنفس فلسفة الوقت الطويل الذى بات يتبناها .... وجاء اتصالها هذه المرة بنفسها وطالت المكالمة لم يعرف كيف وجدا أطراف حديث بينهما ... وكان أكثر سعادة حينما قالت له أنهم سوف يلتقون بالقرب من مقر كليتها .. فقد بدأت الدراسة ...بدا سعيدا سوف تكون وحيدة ... لاك فى رأسه مئات السيناريوهات حتى يوم الميعاد كيف سوف يكلمها كيف سوف يكون .. كيف .. كيف .. العديد من الأفكار .............
  • وجاء اليوم الميمون ... والتقيا كانت فى أبهى صورة .. أعجبه لون ملابسها الأزرق لكنه لم يدقق كثيراً فى ملامح جسدها ... أو حتى فى تفاصيل ما ترتدى كان عينه على الوجه الخالى من اى مساحيق... الخجل الذى يعطى الخدود مكياجاً خاصاً ...كان يكره فى حياته هؤلاء السيدات المتلونات بالمساحيق .. الحجاب الأبيض الذى يزيد من اشعاع بياض وجهها حتى بدت كلؤلؤة وسط محارتها...كان شاغله الأول فى المرأة هو الوجه ..... بدا الحوار شيقا خرج عن كل ما رسمه من سيناريوهات .. أعطته الكتب كان لديها محاضرة .. لكنها بدت أنها لن تذهب إليها تحدثا عن أشياء كثيرة ليست ضمن اهتماماته ... ماركة سيارتهم .. أشياء غريبة عن تفكيره لكنه بدا مستمتعا ... وحينما قالت : المحاضرة موش مهمة ....واخذ يفكر فى مواعيده ..سقطت من رأسه كل المواعيد .. عليه أن يقبض على تلك اللحظة ... ولكن هيهات ... انشقت الأرض على زميلها الذى كرهه أثناء الدورة بدا مستظرفا بالتحيات ... وكان كمفرق الجماعات ... فقد أُسدل الستار على الحديث تركتهم مسرعة للحاق بالمحاضرة ..!!!
  • لم يلبث أن فعل هو مثلها .. وتركه متحججا بمواعيد اليوم ......
  • عاد إلى منزله .. نوى أن يرمى بالحقيبة على مكتبه .. لكنه توقف قليلاً .. حينما تذكر أنه شئ منها .. وضع الحقيبة البلاستيكية على المكتب .. أخرج الكتب ..أريج نفاذ خرج من الحقيبة يبدو أنها رائحة عطرها .. نعم إنها رائحة عطرها لم ينتبه إليها أثناء اللقاء ........ اخرج الكتب تشمم رائحة الحقيبة مرة ثانية .. دفنها وسط أوراقه .......... وكلما وقعت عينه على الحقيبة فكر فى أن يتصل بها .. وكانت قد قالت له وهى تودعه خلينا على اتصال ... فعلها مرات عديدة أدار قرص التليفون برقمها وهو يشعر بالنشوة .. لكن فى كل مرة كان يفعل ذلك .. كان يدير القرص والسماعة موضوعة .. واكتفى بذلك الأريج الفواح الذى اختفى مع الزمن من الحقيبة لكنه لم يختفى من ذهنه ...

Tuesday, February 2, 2010

نوايا سيئة


  • أنهيت المهمة بنجاح" هكذا حدث نفسه وهو يلقى بنفسه على مقعد الأتوبيس وقد اقتربت الساعة من الثالثة عصراً كان يوما شاقا حقا عليه فهو لا يحب العمل خارج المكتب ويكره أن يقابل عملاء فى الخارج فعليه أن يكون فى أبهى صورة وعليه أن يلف رقبته برباط عنق .. ويجب عليه أيضا أن يبتسم مهما كانت الظروف ... كان دائما يقول لمديره أنه حينما يفعل ذلك ويذهب إلى عميل فإنه يشعر وكأنه "مندوب مبيعات فى محنة" على نمط رواية ارثر ميللر ويتذكر أنه قرأ مرة من قبل أن نهاية قصة "محنة رجل بيع " كانت مأساوية حينما انتحر مندوب المبيعات فى زمن السوق السعيد .. لكن قناعة مديره كانت دائما انه الوحيد الذى يمتلك مهارات التفاوض وأن هيئته الشكلية مناسبة لمثل هذه الأعمال ..... وهو لا يرى كل هذا فى نفسه ويشعر أن تركيبة شخصيته تميل إلى الخجل .. ولكن هيهات لا أحد يختار ما يعمل ... وتذكر أنه حينما دلف إلى المكتب ذلك الصباح وأختار رابطة العنق المناسبة التى كان دوما يترك عددا منها فى درج مكتبه فقد كان لا يربطها إلا حينما يكون فى حاجة إليها لذلك كان يتركها فى المكتب .. وحينما رأه زميله فى المكتب أشار إليه بدعابة أصولية كثيرا ما كان يلقيها هو على مسامعهم حينما كانوا يرتدون رابطات العنق " آنت ما سمعتش عن فتوى ابن بطة فى تحريم لبس الكرافتة " .. نظر إليه فى غيظ وقال .. إسماعيلية يا سيدى لازم أروح الجامعة هناك النهاردة علشان نقدر نبتدى الشغل من الأسبوع القادم ......... استمر تدفق نهر ذكريات ذلك اليوم فى رأسه وتوقف عند وجه تلك السيدة الذى كان عليه أن ينهى معها الإجراءات الإدارية اللازمة للشركة لبدء النشاط داخل الحرم الجامعى كانت سيدة أقل ما توصف أنها "حيزبون" كانت فى الأربعينات من عمرها ومازالت تظن نفسها فى العشرينات كانت تتصور نفسها افروديت أسطورة الجمال الإغريقية بينما هى كانت تشبه الوحوش فى الأساطير الإغريقية .. كان شعرها ملوث بالألوان وكذلك وجهها وهى تضع المساحيق بشكل لا يدل على أى فهم فى أصول المكياج .. أحس منذ دخوله المكتب أنها تلتهمه بعينها ورغم حصولها على ظرف الهدايا فقد أسرفت فى الطلبات الذى يجب أن يفعلوها ...انبسطت أساريره حينما طلبت له ليمون فقد كان يحتاج إلى تهدئة أعصابه حتى لا تنفلت مشاعره ويلعن اليوم الذى عمل فيه فى هذه الشركة ويترك كل شئ ويرحل .. راح يحثها على سرعة إنجاز الإجراءات ولكنها أسهبت "أنت وراك ايه موش إحنا بس النهاردة وكمان "أنت مش معاك عربية" ... وحينما قاطعها قائلا "أنه استخدم المواصلات للسفر نظرت إليه فاغرة فاهها "شركتكم الكبيرة دى بتوفر فى كل حاجة"....نظر إليها هو الآخر فى دهشة .. راح يغمم فى نفسه "شركة كبيرة دول لو فى أيديهم يوفروا مصاريف السفر كانوا عملوها" لكنه ابتسم ابتسامة بلهاء لا تدل على إى شئ .........
  • قطع تدفق نهر ذكريات اليوم صوت شاب التفت إليه أنه يرجوه أن يغير مكانه داخل الأتوبيس لأنهم أثنين زملاء ويريدون أن يجلسوا سويا رأى نظرة الرجاء الشديدة فى عينيهما لم يتردد فى أن يغير مكانه سريعا .. فقد كان نفس الصف واهم شئ بالنسبة له أن يجلس بجوار النافذة كى يرى معالم الطريق والأتوبيس يتحرك ... نظر فى ساعته تعامد العقربان تماما أنها الثالثة .. شعر أن الأتوبيس لن يتحرك فى ميعاده بالضبط كعادة كل المواعيد فى مصر .. تذكر دوما تشدده فى المواعيد حينما يأتى أحد متأخرا ويقول له "يا عمى دول خمس دقائق" كان يعتبر ذلك إهانة شخصية للشخص المنتظر وكان دوما يردد "سبعة ونصف " ليست " سبعة ونصف وخمسة " لكن خفف من وطأة شعوره بالتأخير أن الركاب أصبحوا يتوافدون على الأتوبيس واكتملت معظم صفوفه ... أعجبته فكرة أن هناك كثير من الطلبة فى الأتوبيس تمنى أن يجلس بجواره طالب ليتأكد أن المكان الذى اختاره مناسبا ومعروفا وسط الطلبة حتى يكون قد أتم مهمته على أكمل وجه ... صعد السائق إلى الأتوبيس تزاحم عدد من الطلبة فى الممر .. تقدمت فتاة لتجلس بجواره .. كانت تتحاور مع شاب أثناء جلوسها تصور أنه يجب عليه أن يغير مقعده للمرة الثانية وحين أشار بذلك فاجأته قائلة "ده معايا طول النهار أنا زهقت منه " لم يملك سوى الابتسام .. كان يريد من يجلس بجانبه أن يكون طالبا حتى يستطيع أن يتكلم ويسأل براحته .. خشى من طالبة لأنها سوف تظنه يعاكسها حينما يتكلم معها.. هكذا دارت الأفكار فى رأسه .. لكنها لحسن الحظ لم تتركه لأفكاره كثيرا وبدأت تسأله "يا ترى كنت فى اسماعيلية ليه يا أستاذ" .. التفت إليها وعينه مكسورة من ضوء الشمس المتسلل من النافذة مجرد شغل فى الجامعة .. وياترى حضرتك كنت فى الجامعة الجديدة ولا القديمة ... شد ستارة الأتوبيس واعتدل تجاهها وبدأ يخرج أوراقه إحنا شركة ...وظل يسرد ما فعله واخرج لها الرسم الكروكى الذى قام به للجامعة وسألها إذا كان المكان الذى اختاره معروفا للجميع ... وقد شعر بالغبطة لأنها أبدت إعجابها بالرسم الكروكى وأنه لا يمكن أن يكون رسمه فى زيارة واحدة للجامعة وقالت " أنا فى الجامعة من سنة ولسه مش عارفه كل الأماكن اللى أنت رسمتها فى يوم واحد" وزاد من غبطته اكثر أن المكان الذى اختاره يتوسط الجامعة وكل الطلبة يعبرون عليه ويعرفونه ..... ولكن حماسه فتر حينما قالت " ربنا يوفقكم " شعر من أسلوب إلقاء الكلمة أنها لا ترغب فى الاستمرار فى الحوار بدأ الأتوبيس فى الحركة تذكر أنه تحدث عن نفسه كثيرا ولم يعطى لها أى فرصة للحوار ..... فكر فى أن يحاول أن يتعرف عليها لكنه وجد أنه عرف كل التفاصيل الذى يريد أن يعرفها .. فلا داعى لإزعاجها .. هم بفتح الستارة ليشاهد الطريق ... بدأ تشغيل الفيديو
  • - وجدها تقول يا ترى فيلم إيه؟.. سردت عدة أسماء للأفلام تذكر أنه شاهد أحدهما صباحا ، وهم بأن يعلق لكنها قالت أصل الأفلام محفوظة شركة الأتوبيسات بتعرض نفس الأفلام ولا تتغير ...
  • - قال : كنت أفكر صباحا لما الفيلم كان سئ لماذا لا يتم عرض أفلام تسجيلية عن المدينة التى سوف يزورها الأتوبيس.
  • - "أفلام تسجيلية" قالتها بصوت ينم على الانزعاج ونظرت له من أسفل النظارة التى كانت ترتديها "هو مين فيه دماغ" !!!
  • - لم يستطع أن يعلق لكنها يبدو أنها شعرت بحرجه من الكلمة التى قالتها .. واستطردت قائلة " أصل الواحد بيكون مجهد من المحاضرات ومحتاج حاجة ترفه عنه " ....
  • - حاول أن يبقى على طرف الحديث مفتوحا فأمامه ساعتين على الوصول إلى القاهرة فاستفسر بصوت منخفض ينم على الارتباك ...وحضرتك كلية ايه ؟
  • - بدت متحمسة هذه المرة أنا كلية تجارة إنجليزى ..
  • - قاطعها بسرعة كلية جميلة المستقبل دلوقتى للإنجليزى والكمبيوتر فى فرص العمل .. واخذ يعدد لها كيف تلتحق بدورات الكمبيوتر أثناء الدراسة أو بعد ما تنهى الدراسة وعدد لها المنح التى تمنحها وزارة الاتصالات وكيفية الالتحاق بها ...
  • - رددت متململة " إن شاء الله " .......
  • قُطعت كل أطراف الحديث مرة أخرى لا يعرف لماذا لا يستطيع أن يضبط موجته على الموجه الخاصة بها...
  • - عاد يتأمل الطريق .. تذكر كم مرة مر على هذا الطريق كان مصيف الأسرة الدائم فى "فايد" كان خاله ضابطا فى القوات المسلحة .. علت الابتسامة وجهه وهو يتذكر كيف كان يرتدى بدلة عسكرية كاملة وهو صغير ويعلق " الرتب " الخاصة بخاله عليها ... مر الأتوبيس بجوار إحدى الدبابات على نصب تذكارى فى الطريق تذكر أن رأسه خبط فى غطاء هذه الدبابة حينما أصر على أن يشاهدها مرة فى رحلة العودة ... وتذكر أيضا كيف أن كل مرة يذهب ويشاهد الدبابات مع خاله كان رأسه يرتطم بها حينما يخرج من تلك الفتحة الضيقة .. كان لا يعرف كيف وخاله بهذا الطول ويدلف إليها دون أى مشاكل وهو يرتطم رأسه بها كل مرة .. كانت من أكثر الأشياء التى تضايقه وهو صغير ثقل الخوذة وخبطات الدبابة مما جعله يقول بكل ثقه إلى خاله فى أخر مصيف "أنا غيرت رأيى مش حكون ضابط جيش أنا موش مستغنى عن دماغى " ولم يكن يدرى وقتها لماذا علت ضحكات أفراد الأسرة .....
  • - بالكاد سمع صوتها ... وهو غارق فى ذكريات الطفولة .وحضرتك هواياتك ايه؟ .... التفت إليها مرة ثانية واخذ يعدد لها حبه للقراءة وجمعه للطوابع .. ولعبه الشطرنج وكيف أنها معركة بلا سلاح ... .
  • - قاطعته بحدة وهى تضغط على حروف كلماتها "وحضرتك ما بتسمعش اغانى .. كاظم الساهر مثلاً ...
  • - طبعا بحب الأغانى لكن انا بحب كلمات اغانى كاظم لأنى قرأتها من أشعار " نزار قبانى " وإن كنت بحب فى نزار القصائد السياسية .. " هوامش على دفتر النكسة "...
  • - قاطعته مرة ثانية متمتمة طبعاً طبعاً ...الجزء ده من الفيلم جميل وأدارت وجهها ناحية شاشة العرض ..
  • عاد ينظر مرة أخرى يتأمل الطريق .. لم يخرج من ذكرياته هذه المرة إلا على خبطة فى كتفه التفت وجدها مستغرقة فى النوم وقد سقطت رأسها على كتفه .. بدا المنظر غير مريح له ... ابتسامة علت وجه أحد الطلبة يوازيه فى الكرسى على الجانب الثانى من الأتوبيس شعر بالحرج ... ذلك الغبى لا يفهم انه لايعرف الفتاة وأنها بحق نائمة .. انسحب بجسده حتى التصق بجدار الأتوبيس .. سقطت رأسها من على كتفه فتحت عينيها معتذرة ... وعدلت رأسها مرة أخرى ....
  • مرة ثانية سقطت رأسها على كتفه التصق مرة أخرى بجدار الأتوبيس لا يعرف أين يذهب .. فكر لو كان هناك مقعد خاوى .. ويترك لها الكرسى ..
  • جاءت المضيفة بدت ابتسامتها ابتسامة خبيثة وهى تنظر إليهم " تحبوا تشربوا حاجة " استيقظت مرة ثانية وهى تشكر المضيفة شكرها هو أيضا .... ولكن لم يفت عليه أن يلعن سوء ظنها فى سره...
  • انتهز فرصة استيقاظها ..سألها " تحبى تيجى مكانى " .. .. شكرته واستغرقت فى النوم ...
  • لكنها عادت وأمالت رأسها على كتفه بدا كفأر مذعور منكمش فى ركن غرفة وهو منكمش فى نافذة الأتوبيس ... لم يعد هناك مكان ينسحب فيه .. شعر بأن الأتوبيس كله ينظر إليهما ويظن بهما السوء .. ..
  • تيبس كتفه خشى أن يسحبه فتقع وهو لا يريد إزعاجها .. وفى نفس الوقت لم يكن يري أن يساء الظن بهما وسط كل هذا الجمع ... شعر بكل العيون تنظر إليه فكر فى ثمانين عين يملؤهم الشك نحوه .. .. مضت الدقائق بطيئة لم يعرف كم مرة عدلت من وضع رأسها واعتذرت .. وحينما دخل الأتوبيس شرق القاهرة بدت تستيقظ يبدوا أنها تسكن قريبا هكذا حدث نفسه ..... فكر فى أن يسألها كيف أنها تضبط ساعتها البيولوجية بحيث تستيقظ حينما تريد ... لكن لم تمهله قليلا بدأت فى حزم متعلقاتها .. فرصة سعيدة يا أستاذ .. وتركته دون أن تلتفت مرة ثانية.............
  • لم يدرى لماذا كانت قصته نكته المكتب كله صباح اليوم الثانى.. فحينما هم أحد زملائه بسؤال خبيث تعرفت على حد من الجامعة .. وحينما سرد القصة بدا زميله يقول له فى حد يكلم واحدة عن الأفلام التسجيلية وبرامج الكمبيوتر والشطرنج يابنى أنت خلصت على مرارة البنت ... وبعدين نامت على كتفك يا أخى أتحرك ... طيب عرفت أسمها ، ساكنة فين ...
  • - قال له باستهزاء وأنا اعمل أيه بكل ده أنا كان المهم بالنسبة لى أعرف المكان اللى اخترته وبس ..اعمل أيه باسمها ولا حتى برقم تليفونها .............ثانيا وده الأهم دى بالنسبة لى طفلة دى سنها من سن بنت أختى ..........
  • ليه هو أنت عندك كام سنة أنت لم تتجاوز الثلاثين ... فى نفس الوقت دخلت المكتب زميلتهم .. لم يتوانى زميله عن شرح القصة لها .. قالت هى الأخرى يا أستاذ لا توجد واحدة محترمة تنام فى أتوبيس وبجانبها إنسان غريب ..
  • تذكر نظرات المضيفة .. ومن فى الأتوبيس والآن زملائه ......
  • خيم على يومه الاستياء لم يعرف لماذا أصبح كل الناس ذوى نوايا سيئة .............!!!

Monday, February 1, 2010

"انسحاب"

  •  لم يدر لما بدت صامتة أثناء الغذاء ... لم يعرف مكنون نفسها ..وحينما أنهوا الغذاء،أخرجت الرقعة الجلد من الشنطة وبدأت فى رص قطع الشطرنج.... 
  •  - اعترضها .. لا أريد أن ألعب اليوم ... بدت عصبية .. وهى ترد لماذا ؟ .. أتريد أن تنسحب كما تنسحب من أشياء كثيرة..
  • - أنسحب .... ماذا تقصدين ؟؟؟ أى أشياء أنسحب منها ؟!
  • - لا أقصد شيئًا .. .. لكن لماذا لا تدافع عن مواقفك للنهاية ؟
  • - اية مواقف ؟!
  • - ما فعلته اليوم فى مجلس القسم ...
  • - لقد أدركت خطأ رأيي لذلك تراجعت إلى جادة الصواب ...
  • - أى صواب ؟. الصواب أن تترك زملاءك بعد أن اقتنعوا بوجهة نظرك فى منتصف الطريق ....
  • - لم أتركهم ..
  • - قاطعته ..ليست المرة الأولى .. وأكملت رص القطع ...
  • - لم يكن يريد أن يلعب ..كان نصف تركيزه مفقودًا بعد معركة اليوم ... وعادة يخشى أن تهزمه فقد كان بالكاد يهزمها أو ينجو من هزيمة محققة ... بالتعادل ... لكن روح التحدى التى كانت تبديها جعلته يريد أن يكسبها ... ثم علق قائلا ماذا تقصدين أنها ليست المرة الأولى ؟
  • - بدأت اللعب ... مواقف كثيرة من قبل انسحبت منها وأنت قاب قوسين أو أدنى من الوصول لما تريد .. ألا تتذكر ردودك على والدى فى مسألة البعثة ولولا تدخلى لما كان وافق لأنك ببساطة تراجعت عما اتفقنا عليه ..
  • - كل ما تقولينه مجرد هراء .. يجب على المرء أن يحدد مواقفه تبعا للمواقف وعليه أن ينحنى للعاصفة .. حاول أن يخرج من الجو المكفهر بينهما مهرجا : وبعدين تعالى قوليلى منْ أشهر فى التاريخ روميل أم مونتجمرى ؟
  • قطع الحوار وصول الجرسون .. كان يريد أن يتأكد من طلباتهما الدائمة .. لكن الاثنين غيروا ما تعودوا عليه وطلبوا ليمون ...
  • - قبل أن ينصرف الجرسون سأله : عم عبده " تعرف روميل ولا مونتجمرى " ... رد عم عبده: فى حد ما يعرفش روميل " ده ثعلب الصحراء " وغادرهما دون أن يبدى جهله بمونتجمرى.
  • - روميل لم ينسحب إلا مرة واحدة وكان دائما فى المقدمة وسط جنوده .. مرة واحدة انسحب تبعا للظروف .. لكن لم يكن منسحبا دائما .. أنت تبدو أقرب للانبطاح ..... ممكن تسأل عم عبده لما يجيب الليمون .. مين أشهر فى مصر عبد الحكيم عامر ولا "موشى ديان " ....
  • بلع ريقه بصعوبة بالغة .. من إشارتها الأخيرة إلى نكسة 67 بسبب الانسحاب ... لم ينقذه إلا ارتكابها خطأ فادح فى اللعب .. استغله بقسوة مضحيا بإحدى القطع .. نسيت أن تسأل الجرسون حينما وضع الليمون ......
  • - قال بصوت منتش بالنصر: ماذا سوف تفعلين بميولك التقدمية أمام هذا الهجوم ... وضغط على ساعة الشطرنج بعصبية ....
  • أخذت وقتاً طويلاً وهى تفكر ..... لم تستطع أن تتكلم ... حاولت أن تخرج من المأزق ظلت تفكر فى عدة خيارات لكنها فى النهاية اقتنعت ... أن نقلتها القادمة إجبارية ... أكلت القطعة وهى تعرف المصير المحتوم لملكها ...
  • - استمر فى التضحيات بقطعة أخرى ... بدت مستسلمة .. وهى تقبل هداياه المسمومة ..... أضاف : منْ يتقهقر الآن ...
  • حاولت استعادة موقفها لكن هيهات رأت الهزيمة فى الأفق .. بدا غير مكترث وهو يضيع الوقت فى أكل المزيد من القطع لكى يعوض ما خسره ... ولكن استهتاره وتشتته فى أكل قطع غير هامة جعله يخطأ هو الآخر ..جاءتها الفرصة وقاتلت بروح النمور الجريحة رغم ضيق الوقت فى ساعتها ...
  • أصبح عليه أن يخسر وزيره .. أخذ يفكر فى الأمر مليًّا ..مخرجاً صعبا وجده ..أن يكرر النقلات .. وإلا سوف يخسر وزيره ...أخذ يكيل الكشات لملكها وهى تلعب نفس النقلات .. انتزع التعادل..
  • - علقت : رأيت كيف أنك لا تقاتل إلى النهاية ...
  • - تجرع كوب الليمون مرة واحدة متفادياً النظر إليها ... لكنها لم تتجرع الليمون .. فاجأته بنـزع دبلة الخطوبة من يديها وعلقتها فى رقبة وزيره .. لن أبنى حياتى مع شخص يبحث عن التعادل لا على النصر .. غادرت مقعدها غير ملتفتة لكلماته المخنوقة : منْ ينسحب الآن واجهيني ... ضاع صوته وسط الضجيج ..