- حاول كثيرا أن يشارك فى ذلك الاحتفاء الجماهيرى الغير عادى بصعود امريكى اسود إلى سدة الحكم لكنه لم يستطع ليس لأنه عنصرى ولكن لفشله فى الهروب من كل مشاكله اليومية والحياتية للمشاركة فى الاحتفاء سواء على المستوى الاعلامى أو حتى على مستوى زملاء العمل أو الاصدقاء الذى بالكاد يتواصل معهم تليفونيا ، خيل اليه فى مرحلة من المراحل انه سوف يفتح صنبور المياه صباحا وسوف يخبره خرير المياه لماذا جاء "باراك اوباما" للحكم.
- تصاعدت أثار الحملة عليه وهو يجلس فى مساء ذلك اليوم التاسع عشر من يناير حيث نسى العالم كل ما حدث فى غزة الذى لم يبرد بعد دماء شهدائها وتذكر أهمية وصول أمريكى أسود إلى الحكم ، حاول جاهدا أن يجد قوة للجلوس مع زوجته للحوار أمام شاشة التلفاز لكنها اعفته من المحاولة حينما أومأت إليه بأنها غير قادرة على السهر – لم تكن دوما قادرة ولا هو ايضا- والقت عليه التوجيهات المعتادة بضرورة عدم النوم امام التليفزيون حتى لا تضطر أن تقوم ليلا لغلقه وايقاظه ، ولم يجد بد من الاستمرار هو الآخر حيث تحولت كل البرامج إلى تلك الحملة الاحتفالية المسعورة ، أوى سريعا إلى الفراش ولدهشته وجد زوجته فى نوم عميق رغم أنه لم يستغرق خمس دقائق للحاق بها ، القى نظرة على ابنته فى مهدها الصغير بجوارهم ربما نظر اليها راجيا أن لا توقظهم ليلا أو على الاقل لا توقظ زوجته... القى نظرة على وجه زوجته الملائكى النائم بجواره تذكر الايام الأولى لخطبتهم حينما كان يحاول جاهدا أن يخطف نظرات من ذلك الوجه ، الآن يمتلك الحق فى أن ينظر الى ذلك الوجه ليل نهار لكنه لا يجد وقتا ليتأمله فكر فى أن يطبع قبلة على جبينها لكنه لم يرد أن يقلقها فقد كان يعلم أنها تستيقظ من أقل لمسة لكنه اكتفى بأن بقى متأملا وجهها محاورا جمالها النائم حتى غابت عينيه فى النوم .....
- لم يدر كم من الوقت استغرق فى النوم لكنه استيقظ ككل يوم خلال العامان ونصف العام منذ زواجه يتساءل أين هو ، ثم يمر به شريط الذكريات سريعا متذكرا أنه اصبح زوجا وأبا ، ولم يطل شريط الذكريات طويلا فقد سمع صوت حركة من جانبه التفت وجد ابنته تحاول التعلق بمهدها وتلتفت نحوه بابتسامة دخلت زوجته ملقية عليه تحية الصباح ومشيرة إليه انه عليه أن يفعل......... مجرد جدول يومى لا تغيب عن سرده ، يعلم علم اليقين إنها لا تلقى إليه التوجيهات أو التعليمات لكن آلية كلماتها هو ما يوحى له بذلك فهو يحفظ جيدا ما سوف تقوله وفق برنامج سرد قد يتغير وفقا للظروف فعليه القيام سريعا .. الفطار.. هل سيتولى توصليها لأن اتوبيس المدرسة قد فاتها أم سيأخذ البنت إلى الحضانة أم هى من تقوم بذلك ، آلية ... تجعله يشعر بأنه مجرد سطور فى برنامج حاسب آلى مما يتعامل معهم ليل نهار فى عمله.
- يتحرك وفقا لما تفرضه تلك الآلية الحياتية هو فقط ينفذ تعليمات برنامج الحياة ولا يحيد عنه ، لا يميل إلى الفلسفة لم يفكر أهو مسير أم مخير لكنه يريد أن يعيش ولا تعطيه الحياة فرصة لكى يقف ليفكر فيما يفعل ، بالإضافة إلى حبها له تجد زوجته أن أهم ما يميزه هو حبه للحياة وطموحه .. تدعم طموحه بحبها وصابرة معه تعطيه كل الدعم ، يحبها لكنه يشعر دوما بأنهم لا يعيشون بل يتحركون كآلات بلا معنى للحياة يخشى أن يجد وقتا لا يستطيع أن يمضى فى هذا الطريق..
- يتحرك كترس صغير داخل تلك الماكينة العملاقة للحياة تدور تلك المعانى فى عقله وهو كترس يدور فى فلك الحياة لم يشعر بالافطار أو كيف تركع للصلاة أو كيف وجد نفسه داخل ملابسه ، يركب سيارته يلقى تحية الصباح على زوجته تتعلق به ابنته يضعها بكرسيها فى السيارة بجانبه ، غير وضعها فى السيارة أكثر من مرة فقد كان مغرما بأن يضعها معه أثناء القيادة بحيث تبقى دائما قريبه منه ، انتبه فى أحد المرات لأحد أصدقائه وهو يذم هؤلاء الآباء الذين يضعون ابناءهم معهم اثناء القيادة وخطورة هذا على الطفل ، لم يقل له أنه من هؤلاء الآباء لكنه اصبح يضعها فى الكرسى الخلفى لزيادة الأمان ولكنها تبكى فى هذا المكان رغم اجتهاده فى مداعبتها وقد استقر به الأمر فى النهاية أن يضعها على الكرسى المجاور له ويعكس اتجاه كرسى الاطفال الخاص بها حتى تبقى متعلقة بنظره ومتعلق بها ، عليه أن يذهب بها للحضانة ربما تلك البسمة والبراءة الطفولية هى ما تجعله ينبض بالحياة من جديد ، كثيراً يتمنى أن يترك كل شئ وراءه ويعود للمنزل لكى يقضى اليوم معها. ينفطر قلبه كثيرا حينما يتركها على باب الحضانة لم تعد تبكى حينما يتركها لكنها تتطلع له بعينيها بنظرة تطعنه طعنة نجلاء يقرأ فيها كلمات كثيرة .. يشعر بذنب كبير أن يتركها هنا ويذهب كذلك والدتها المشغولة معه فى توفير الحد الأدنى للطفو فى بحور الحياة...
- لم تتركه السيارة كثيرا فى تأملاته الحزينة فهى منذ تزوج لم يعد يعرف كم مرة يذهب بها إلى الميكانيكى والكهربائى وكافة العاملين فى مجال السيارات ، كان يفخر بما يقوله اصدقائه دوما عن سيارته بأنه يحس بها من صوتها وأى صوت غريب يستطيع أن يجيب عن مصدره ويعرف العيب ... لكنه الآن لم يعد يستطيع أن يحدد الآمها التى تزيد من اعباءه .. ارتسمت على شفتيه ابتسامة أن السيارة تغير من زوجته لذلك فهى تنقلب عليه هى الأخرى ، وتوقف ليرى ماذا ألم بها .. عبث قليلا بالأسلاك .. وحمد الله أنها استجابت واستمرت فى السير قرر أن يكافئ نفسه وادار الإذاعة عليه أن يصل الاسلاك وهو يقود لكى يعمل الراديو ... واخذ ينصت وهو يفادى الديناصورات من حوله –اصبح يفكر مثل زوجته فهى تطلق ذلك على سيارات النقل- دهش أن محطة الاغانى الوحيدة التى تعمل فى راديو السيارة لا تذيع اغانى لكنها تتأهب لنقل احتفال تنصيب الرئيس الامريكى .. وأحد المعلقين يسهب أن وجود أمريكى أسود قد حقق حلم مارتن لوثر كينج فى الحرية والمساواة... مر بخاطره مقولة مارتن لوثر كينج ... "لدى حلم"...تلك المقولة الذى رددها فى احدى خطبه المشهورة التى تحولت فيما بعد إلى أيقونة لكثيرين فى تحقيق احلامهم ، وقد جمعه حوار مع زوجته وترجمت له مقاطع تحفظها من تلك الخطبة فى فترة الخطوبة ورد عليها بكلمات اغنية اجنبية تحمل نفس الكلمات "لدى حلم ، اغنية اغنيها لكى اتغلب على اى شئ" ردد معها ذلك حتى تحقق ما وصلا اليه ، لكنه يتسائل الآن أين حلمه الآن .. هل وئد تحت تروس الماكينة العملاقة للحياة....
- دوما يذهب مبكرا عن موعد العمل لأن الطريق من المدينة الجديدة التى يسكن فيها إلى قلب المدينة يغلق عن الثامنة يوميا لمدة نصف ساعة تقريبا توطئة لمرور مسئول كبير ، وهو حريص أن يتحرك قبل غلق الطريق للموكب والذى يتم يوميا دون أدنى تفكير أن تلك النصف ساعة تجعل السكتة المرورية المزمنة فى الطريق جلطة تصيب المرور بالشلل لساعات بعدها ، يقضى وقت الانتظار فى أحدى المقاهى بالقرب من العمل ، سمع الاخبار وهو يجلس على المقهى بنصف تركيز وضع عم عبده القهوة أمامه وهو مكتئبا وهو يعلق " قربوا يوقفوا الضرب " كان يقصد على ما يحدث لغزة تطلع إلى شاشة التليفزيون المشهد على تلك الوجوه العفنة التى تتابع النجاح فى قتل الاطفال والنساء وتصدير الابتسامات للعجزة الذين يكتفون بمتابعة المذابح على الشاشات والصياح فيما بينهم ، لفت نظره أنهم جميعا يجلسون وظهورهم للحائط على مائدة صغيرة وهى قاعة اجتماعات مجلس وزراء..!!! قارن فى ذهنه حجم القاعات التى اقتطعت من مكاتب الموظفين فى عملية تطوير مبنى المصلحة التى يعمل بها أنها قاعات يحتاج من يتحدث فيها إلى وجود وسائل سمعية لكى يصل صوته إلى الآخرين كلفت مبالغ طائلة ، جر ذهنه إلى الاستعدادات التى مازالت جارية لاستقبال المسئول الذى سوف يفتتح المبنى بعد التطوير ، تصب بيانات الإدارات امامه على شاشات الحاسب الألى وتمر أمامه أرقام الملايين التى انفقت فى التطوير ويتصور أن هذه الأموال كانت تستطيع أن تبنى مبنى اضعاف حجم هذا المبنى ، وأنه لو كان يعمل فى المكاتب الأمامية التى تخدم الجمهور فى المصلحة واعطوه جزء من آلاف الاجزاء من هذه الأموال طوال عمره الوظيفى لكان حمل المواطنين على يديه حتى يتم قضاء مصلحتهم ، يعلق احدهم على ذلك "احنا فراعنة وح نفضل فراعنة طول عمرنا" يتحدثون عن بيئة العمل وتحديثها لكنهم لم يلقوا بحفنة من تلك الملايين لتدريب الموظفين أو تحسين احوالهم لكى يعاملوا الناس بأدمية .. فرق كبير بين العمارة وعمران النفوس ، يدلف إلى المبنى بتركيبته الجديدة مظاهر الابهه "رخام ، نجف ..الخ" ويتذكر بالأمس المذكرة الهامة التى كان يجب اخذ الموافقة عليها وتعليق مديره بأنه يجب أن يغير تنسيق الخطوط لأن أهم ما يميز مديرة المبنى هو اهتمامها بالشكل وأهمية تنميق الخطوط ، رغم أن ما كتبه كان سوف يوفر الكثير لكن الموافقة لن تأتى إلا على الشكل وتعبير مديره "أهم حاجة شكل المذكرة يفتح النفس" ، يعلم أن مراجعة ديكورات المبنى تمت اكتر من مرة وانفقت أموال طائلة من اجل الشكل !!!! .. كان تعليق أحد زملاءه على هذا العبث "إنه زمن تمكين المرأة" .. لم يكن من المعترضين على عمل المرأة ولا دورها فى الحياة فزوجته أمرأة عاملة وتجدف معه ليسير المركب فى بحر الحياة المتلاطم الامواج ، لكن المسألة أصبحت شكل عام ، كان يعلم منذ البداية أن هذه السيدة منذ كانت احدى مديري العموم سوف تأتى كمديرة للمصلحة لا توجد مؤهلات حقيقية لها سوى أنها سيدة ويجب وجود سيدة فى منصب قيادى فى المصلحة كتكملة للإطار الشكلى العام ..
- حينما وصل إلى مكتبه وقرر أن يراجع برنامج عمله اليومى ، دهش أن التعليقات من حوله ليست عن مصاعب الحياة ولا على استمرار جريمة غزة ، مرة أخرى نفس المتابعة للحلم الأمريكى ... شعر بأن ما يحدث غسيل دماغ اعلامى له شخصيا..
- لكنه لم يدم فى افكاره فقد وجد استدعاء عاجل من مديره انه يحضر مبكرا هذه الايام فى اطار متابعة الزيارة المنتظرة الميمونة ، ربما سوف يراجع العرض الذى سوف يتم تقديمه أمام المسئول ...
- تنحى جانبا أمام مكتب مديره فقد وجد مديره يودع أحد ضباط الأمن حتى الباب لكنه ليس من العاملين بالمبنى .. فحجم الرتب الموضوعة على كتفيه كثير ، هو لا يعرف ماذا يعنى وجود نجمة بجوار نسر فقط يعرف أن كلاهما يحلق فى الفضاء وربما هذا هو السبب فى تعالى رجال الأمن على الجميع بدعاوى أمنية..وربما المقص هو الألة الحادة التى تخيف الناس منهم ..
- بادره مديره "أهلا يا باشمهندس"... واستطرد "محمد باشا كان عندنا علشان ترتيبات الزيارة أكيد متعرفهوش" ده مدير المراسم فى الوزارة – يعرف أن الالقاب توزع بلا قيود لم يعد عليك أن تدفع كثيرا لتحصل على لقب مثل "باشمهندس" فهى تلخص كل المهن فى مهنة واحدة والباشا والبيه ترمز لنفوذ ما لا يدرك معناه بدأت مع رجال الشرطة ثم وزعت على كل الناس دون تفرقة حسب ما تجود به نفسك وتقديرك لمن امامك-.. علشان كده أنا استدعيتك لأن هناك بعض الأجراءات الهامة الذى يجب أن نتخذها لمراجعة ترتيبات الزيارة.
- واستكمل أنا عاوزك تلغى فكرة العرض الحى أمام المسئول ، وبدا اكثر جديا وهو يضيف لنفسه مزيد من الأهمية : الزيارة لن تحتاج إلى وجود كل العاملين فى المبنى ومحمد باشا استعرض بعض الترتيبات التى قد تحتاج أن نغلق اجهزة الحاسب العملاقة الموجودة فى المبنى لأنها تؤثر على الترتيبات الأمنية ، لم يستوعب ما قاله فما يطلبه يعنى توقف العمل فى اغلب المكاتب المرتبطة بالحاسب الرئيسى بالمبنى فى عدد من المحافظات .. لكن مديره استكمل هامسا "فى الحقيقة المسئول اللى جاى ربما يكون أكبر مما نتوقع" والزيارة سوف تكون خلال الايام القليلة القادمة ، ربما عند هذه النقطة تحديدا قرر أن يتوقف عن التفكير فيما يقوله وتركه يسرد مزيد من المبررات والمخاوف والايماءات الخفية حتى توقف ثم طلب سماع رأيه..
- إن ما يطلبه هو البسيط فقد قام بهذا الأمر اكثر من مرة فى التحضيرات التى تجرى فرد على مديره بكل بساطة كل ما تريده سوف يتم تنفيذه قبل الثانية عشر ظهر اليوم واستقبل الرجل كلامه بالفرحة الغامرة معقبا لو ده أكيد ابلغهم من اجل تحديد اقرب ميعاد للزيارة وطبعا لا اريدك أن تقلق فجهدك أنت وفريق العمل محفوظ...
- خرج من مكتب مديره تتصارعه الافكار لم يعد يعى لماذا لا يرى الجميع الصواب ليس من المعقول أن يكون هو العاقل الوحيد فى هذه العالم ، لكنه رضخ ونفذ ما طلب منه وفكر فى أن يطلب أيضا أن يكون خارج مجموعة العمل أثناء الزيارة ويأخذ وقتا للراحة والتفكير بعيدا عن كل هذا الهراء ...
- قبل الثانية عشر كان فى مكتب المدير الذى استقبله بالترحاب الشديد ، ولم يمض وقت طويلا حتى عرض عليه كل التفاصيل ، وقد بدا المدير سعيدا جدا بالسرعة فى الانجاز ولكنه تأسف له أن طاقم العمل خلال الزيارة سوف يكون فريق هندسى تابع للأمن يدير الأمر كله وعليه فقد حصل على الاجازة التى كان يريد أن يطلبها دون عناء وحصل فوقها على وعود سخية أخرى لم يأبه بها بسبب ما يدور فى عقله من أفكار...وقرر أن يخرج من كل هذا ويعيش حياته البسيطة.. طلب رقم زوجته التى انزعجت لطلبه لها حيث لم يتعود أن يفعل ذلك كأيام خطوبتهم الذى كانت تليفوناته فيها لاتتوقف... بدت منزعجه لكنه طمئنها ولكن صوته جعلها أكثر قلقا وجاء طلبه مؤكدا حقها فى القلق ولكنه لم يتركها تسترسل فى أفكارها وكان قاطعا أنه يحتاج إلى اجازة..حاولت المناقشة لكنه كان هذه المرة حادا وهو يعلق انه يعرف أنها مواعيد امتحانات نصف العام والدروس واردف حاسما "دبرى مواعيدك احنا محتاجين اجازة" اغلقا الخط على أمل أن ترتب مواعيدها وتعيد الاتصال به مرة أخرى ، ولم يبق من مكالمته إلا صدى صوت يتردد داخلها : "محتاجين اجازة" ، لم تعارض لأنه لخص مشاعرها فى تلك الكلمة البسيطة ، لأنه تحدث عنهم ككيان واحد منذ وقت طويل لم يفعلها ، انها تريد تلك الاجازة فعلا فقد نسيت أخر مرة جمعهم حوار ما ، غير تلك الحوارات التى تقتضيها ساقية الحياة التى باتت تشعر معها دوما بأنهم تحت الماء ولا يصعدون سوى لأخذ نفس يساعدهم على الغطس مرة أخرى.. حتى حياتهم الإنسانية اصبحت تؤدى كواجب مبتور دون تلك المشاعر أو الأحاسيس التى كانت تملئ أيام الزواج الأولى حيث كانت تشعر بالفرحة والأمان وأنها امتلكت العالم بأحضانه.
- وقعت فى "حسبة برما" لكى تستطيع أن تدبر مواعيدها ، ورغم تدبيرها المحكم وجدت أن ترتيبها يعتمد على كثيرين فيجب أن تلبى تلك المواعيد مواقف تلاميذها أو أن توافق مديرة المدرسة على الاجازة من الاساس ، ثم أن عليها أن تبقى يوما أخر قبل الامتحانات تقوم فيه بمراجعة نهائية ، لم تكن متأكدة أنه سوف يوافق عليه أو حتى أنه سوف يوافق على رحلة اليوم المكوكية لاتمام كافة الدروس ، دارت أسئلة كثيرة : هل تبدأ بموافقته ؟ أم تبدأ بموافقة المديرة ؟ أم أولياء الأمور؟!... ، وفى النهاية استقرت على أن تبدأ بمديرة المدرسة التى تفهمت حاجتها لأجازة وفى ظل عدم التزام الطلبة قبل أيام الامتحانات ، وتبقى أولياء الأمور التى استطاعت بعد عناء شديد أن تقنعهم بالمواعيد وابلغته ووافق على القيام بالرحلة المكوكية لاتمام دروس اليوم ، ونجحا فى الحصول على اجازة لكنهم لا يعرفون إلى متى سوف يبحثون عن حلمهم وسط دوامة الحياة.
Saturday, August 7, 2010
البحث عن حلم
Tuesday, February 9, 2010
عطر أنثوى فواح
- يوم مشحون كان يعيشه فى تلك الاجازة الصيفية ، كان عليه أن يعمل صباحا فى أحد مشاريع المقاولات الخاصة بأحد أقاربه من السابعة صباحاً حتى الرابعة مساءاً ثم يذهب إلى دورة كمبيوتر من الخامسة حتى الثامنة مساءاً ثم يعود إلى مكتب المقاولات مساءاً ليسلم تقريراً عن العمل اليومى فى الموقع الذى كان يعمل به صباحاً ثم يعود إلى منزله ليلا حسب ما تنتهى مناقشات اليوم فى لمكتب ودوما تنتهى تلك المناقشات فى وقت متأخر ، وكان نادرا ما يقول لمن يتعرف عليهم فى دورة الحاسب عن الموقع الذى كان يعمل فيه فقد كان يعمل صباحاً فى موقع للعمل داخل مستشفى الصحة النفسية بالعباسية وكان ذكر شئ كهذا أما أن يصيب من حوله بالضحك أو بالخوف ، وكان يذهب مبكراً إلى ميعاد الدورة فالمسافة بين مستشفى الصحة النفسية ومكان الدورة لا تتعدى عدة محطات أتوبيس ، وكان يجمعه اللقاء بكثيرين قبل ميعاد الدورة وكان أحد أصدقائه يشكو من أن كل مرة يأتى فيها متأخراً يجده يجلس مع فتاة ...وقد أسرف هو وزملائه فى سرد النكات على هذا الأمر وقد كان دوما يعلق قائلا "الموضوع بسيط أنا عندى خمسة أخوات .. فتلاقى واحدة فيها شبه من اختى وواحدة على اسم اختى وواحدة فى شقاوة أختى الصغيرة وواحدة من كلية اختى .. وهكذا يا عزيزى ...." وفى الحقيقة لم يكن جلوسه مع الفتيات عن قدرة بالغة فى التعامل معهن أو لباقة فى الحديث .. فقد كان يعرف الجزء الأول من الدورة لدراسته له من قبل لكن كان يجب عليه أن يبدأ الدورة من المستوى الأول حتى يحصل على المستوى الثانى المتقدم ، وكان كثير ممن فى الدورة يتوجهون إليه بالأسئلة نظراً لسرعة استجابته لأسئلة المحاضر لذلك كان يقضى الوقت بين وصوله إلى الدورة حتى بداية الدورة فى الشرح لأى من الزملاء .. ولحسن الحظ أو لسوءه كان أغلب من يسألونه فتيات ... وفى هذا اليوم دخل مسرعا إلى معمل الأجهزة كان لديه مشكلة مع أحد البرامج وكان هذا يمثل تحدياً له كيف لا يخرج الناتج السليم فى كل مرة .. وحينما جلس على أحد الأجهزة جلست فتاة بجواره .. كان يريد أن ينجز ما هم فى بدءه لكنها قالت ممكن تساعدنى فى فهم ... التفت إليها خيل إليه أنه رآها من قبل حاول سريعا أن يتذكر ذلك الوجه ... بدت خجلة وهى تكمل حوارها أنا لم أفهم .. أخذت تشرح له ما غم عليها من موضوعات ... لم يركز فى كلامها بقدر ما حاول أن يتذكر أين رآها من قبل .. نعم أنها معهم فى الدورة لكنه يزعم أنه رأى ذلك الوجه لم يطل التفتيش فى الذاكرة طويلا فقد وقع نظره من قبل على ذلك الوجه الخجول حينما استخدم الأتوبيس فى الذهاب إلى الدورة عدة مرات .. ولكنهم ورغم أنهم زملاء فى الدورة لم يتبادلوا أى حديث ... ركز فى ما تقول تطلب الأمر منه أن يعيد لها من البداية الأوامر التى لم تفهمها تركها تجرب بيديها حتى يتأكد من فهمها لكل ما قاله وجدها استوعبت كل ما قال .. شكرته وأضافت أنها حاولت أن تفهم بالأمس وأن صديقه الطويل حاول أن يشرح لها لكنها لم تفهم .. ابتسم فى داخله فسوف يجد وقتا لكى ينكت على صديقه لأنه حاول القيام بدوره .... ربما أرضى ذلك غروره الشرقى .. كانت المسألة بسيطة فهو يعرف معادلة الشرح جيدا فكلما تقدم المرء فى السن كان يحرج من أن يقول أنه لا يفهم لذلك لم يكن يكتفى دائما بقول أحد أنه يفهم كان عليه أن يتأكد حينما يجعله ينفذ الأوامر بنفسه ... جلست بجواره طوال اليوم كان يشرح لها ما لم تفهمه فى كل مره لا تستوعب ما يقوله المحاضر .. ظلت العلاقة بينهم سطحية خلال الدورة حتى حينما كان يراها وهو قادم فى الأتوبيس لم يكن الأمر يزيد عن إيماءه بالعين أو بالرأس دون أى حوار .. سوى حوار عابر بينه وبين أحد زملائها فى الكلية شعر بنوع من الغيرة لأنه يستطيع أن يراها كل يوم فى الكلية .. ولكنها بدت مقتضبة فى الحديث معه مما جعله أكثر سعادة ...وفى أخر أيام الدورة سألته عن بعض الكتب فى مجال الكمبيوتر لحاجة أخيها لها .. كانت كتب العام الدراسى السابق له لم يتردد فى أن يشير أن لديه هذه الكتب .. لكن ميعاد الدورة انتهى وهم لن يستطيعوا أن يتقابلوا مرة ثانية ... فكر فى ميعاد خارج الدورة لكن لم يستطع أن يبوح بما يفكر فيه حتى خرجت عبارتها تقول "ممكن تأخذ رقم تليفونى.." بدت العبارة صعبة ومتقطعة وهى تخرج من فمهما وقد عم الخجل وجهها وتلون باللون الأحمر .. لكنه اجتهد هو الأخر فى قتل خجله وهو يقول طبعا طبعا ... أنا رقم تليفونى ... ممكن تكلمينى قصدى أخوكى "علاء" – عرف اسمه من خلال الحوار - يكلمنى ونتفق على موعد .... لم يبدو أسعد حظا فى الخجل لذلك فقد عاونته سريعا .. ومدت يديها بورقة لكى يكتب رقم تليفونه .. شرح لها سريعاً كيف أن برنامج يومه مشحون ومن الصعب أن يعود إلى المنزل مبكراً ... بدا البحث عن ميعاد مناسب للاتصال بالغ الصعوبة لكليهما ... وبدأ اليأس يصنع مع الخجل سيناريو حزين ... لكن لمعت فى رأسه فكرة الاتصال يوم الجمعة .. ماذا عن يوم الجمعة بعد الصلاة تتصلى ونحدد موعد .. .. تهلل وجهها فرحاً وهى تقول "أن شاء الله " الجمعة القادمة بعد الصلاة ...
- فى صباح يوم الجمعة بدء متوتراً رد على كل التليفونات فى ذلك اليوم على غير العادة بدت والدته مستغربة تصرفاته فقد كان دوما يجلس بجوار التليفون ولا يحرك ساكناً لرناته أغلب الأوقات .. لدرجة أنه قلقها تصاعد وقالت له هو فى حاجة فى الشغل أنت منتظر تليفون ... .. لم يستطع أن يواجه والدته وقام متحركا من جانب التليفون أبداً ابداً " حضرتك دايما تقولى رد على التليفون أنا بأسمع الكلام ...!!!!" .. لم تجد كلمة تقولها ولم تفهم ماذا ألم به ..... تذكر أنها قالت أنها قالت أنها سوف تتصل بعد صلاة الجمعة وليس قبلها لذا لا يجب عليه أن يرابط بجوار التليفون كما فعل حتى لا يُعرف مكنون نفسه .....
- عاد من الصلاة فكر فى أن يجلس بعيداً عن التليفون ... لم يجد ما يفعله أمسك بأحد الكتب وجلس فى أحد أركان غرفة المعيشة وعينه مصوبة باتجاه التليفون ويحاول أن يركز فى الكتاب لم يعرف كم عدد المرات التى قرأ فيها نفس الصفحة دون أن يستوعب أى شئ .. ظلت عينه تركز على التليفون وشرد ذهنه وأخذ يتسائل هل كان جراهام بل يعرف ماذا سوف يفعله ذلك الاختراع فى الناس فى المستقبل .... خرج عن شروده على رنات التليفون ارتعدت فرائصه لرناته .. هم باتجاه التليفون وخطف السماعة وخرجت كلمة ال...و خافته مع أنفاس متقطعة ... لكن على الطرف الأخر لم يكن المراد ... كانت إحدى أخواته لم تنسى أن تقول له أنت بتجرى من فين ... لم يعلق ولم يستطع أن يتجاذب أطراف الحديث معها كل ما يتذكرها أنه ألقى بالسماعة إلى والدته ... وعاد إلى الكتاب يحاول أن يقلب تلك الصفحة التى على الرغم من أن كلماتها أصبحت محفوظة إلى أن التركيز غير موجود فكر فى أن يعود صفحة إلى الوراء ... وفعلها بالفعل مبتكرا طريقة جديدة للقراءة وقد ظل على هذا الحال يعود بالصفحات للخلف حتى رن التليفون مرة ثانية ... ترك الكتاب وهم بأن يرد لكن المسافة بين التليفون ووالدته كانت اقرب ... رفعت سماعة التليفون ... تلون وجهه .. حينما وجد والدته تقول لمن على الطرف الأخر نقوله مين ... إذا سوف ينكشف المستور .. لم يسأل منْ اخذ السماعة بيد مرتعشة .. ولكنه وجد على الطرف الأخر أحد أصدقائه الذى قال له :
- - صوتك ماله أنت نايم ولا أيه .. حنشوفك النهاردة " ...
- - رد قائلا طبعاً .. هو فى فرصة غير النهاردة .. ثم تراجع قائلا " لا لا موش حينفع ... فكر فى ماذا يقول .. لن يستطيع أن يكذب ... "
- - جاءت كلمات صديقه " مالك يا بنى فيه أبه " ....
- لم يعرف كيف أنهيت المكالمة كل ما يتذكره انه وعد صديقه بأنه سوف يتصل به مرة ثانية .....
- عاد مرة ثانية إلى الكتاب اللعين .. يبدو أن عليه أن يقرأ الفصل من البداية أقنع نفسه بأنه لم يكن يركز منذ بداية الفصل حينما هم بقراءة الكتاب ... تصاعدت رنات التليفون مرة ثانية ... رفع السماعة ... الو .. وهذه المرة وجد أخته مرة ثانية قائلة : " معقولة مرتين فى يوم واحد .. صدفة سعيدة .... " ...
- دب اليأس فى قلبه يبدو أنها نسيت الميعاد .. هم بأن يخرج إلى النافذة لكى يتطلع إلى جو أفضل ... ظلت أذنه مع التليفون لم يستطع أن يصمد كثيرا بجوار النافذة فقد بدا له سماع التليفون صعبا ..... لم يجد بد من أن يعود إلى الطريقة الجديدة فى القراءة وقد بدت فكرة أن يمر سريعا على الفصول الماضية من الكتاب فكرة شيقة له رغم أن أسلوب قراءته كان يعتمد على الجرى فوق السطور .. فكر فى أن يترك الكتاب .. تذكر أنه لم يتطلع إلى الجريدة اليوم .. عاد إلى شريط اليوم وجد أن كل برنامج حياته الذى يقضيه يوم الجمعة تغير تماماً ...رن التليفون بدا أكثر ثباتاً فكر أن لا يرد ربما كانت أخت أخرى من أخواته ... عبر بسرعة على معادلة فى رأسه لو كل أخت تحدثت مرتين عليه أن يمرر عشر مكالمات غير بقية أعضاء الأسرة .. تصاعدت رنات التليفون .. " سمع صوت والدته " رد على التليفون يا مصطفى ... " .. ذهب إلى التليفون يائسا وقد تجاوزت رناته الخمس رنات كان يعدها ضمن منظومة تشتت فكره التى كانت تحسب المعادلة وتقيس عليها هل من الممكن ان تكون اتصلت ووجدت التليفون مشغولاً ... رفع السماعة غير مكترث .. " الو ...
- على الطرف الثانى وجد صوت شاب ... بدا سعيدا فى نفسه وقد صدقت توقعاته أنه تليفون آخر غير هام ..
- - لكن الشخص على الطرف الأخر بدا رسميا وهو يقول : " ممكن أكلم الأستاذ مصطفى .... "
- - حاول أن يتعرف على الصوت .... لكنه لم يدرى من هو رد بإهمال " أنا الأستاذ مصطفى ... "
- - أنا أسف للإزعاج أستاذ مصطفى أنا علاء ... هم بأن يقول " علاء مين " لكن الشخص لم ينتظر ردا وأردف أنا أخو الآنسة " ليلى " .. لم يعرف ماذ حدث .. نوع من كيمياء السعادة سرى فى جسده ..
- - لم يعثر على كلمات يقولها .. وبدا علاء أكثر قدرة على الثبات وهو يضيف " ليلى مع حضرتك أنا شاكر جداً لتعبك معانا " ....
- - زاد تشتت ذهنه كثيراً شعر بالخجل لموقف "علاء" لم يكن ليترك أخته لتحدث شخص غريب ....
- - آتي صوتها رقيقا وهى تلقى عليه التحية .. وتسوق الاعتذارات عن الإزعاج ..
- - رسم فى رأسه صفحه وجهها وهى ترتسم بالخجل .. تصور لون وجنتيها والدماء تتدفق إليهم .. واستمر تبادل عبارات المجاملات العادية ... وبدأ البحث عن ميعاد للقاء .. ومكانه ..أبدى استعداده فى أن يتم اللقاء فى الخامسة فى أى مكان فى الفترة بين قدومه من الموقع وذهابه إلى المكتب واستمرت الصعوبة فى المكان .. سأل بصوت خافت " حضرتك ساكنة فين ... "
- - ردت باقتضاب بالقرب من شارع رمسيس ...
- - شعر بالحرج شعر أنه كان ما يجب أن يسألها أين تسكن ...
- - استكملت جملتها ...قرب غمرة ...
- - خلاص .. ممكن نتقابل عند المستشفى القبطى وأنا راجع من المستشفى ...
- - ممكن طبعاُ قريب جداً من البيت .. أنا تقريبا ساكنة عند محطة البنزين ..
- - أيوه أنا عارف المحطة اللى جنب المسجد .. ..
- - أنا بيتى فى الشارع اللى جنب المسجد ...
- - .. جاء صوته منتعشا.. بكرة مناسب ..
- - لا آسفة جداُ مشغولة بكرة ....ممكن الأحد
- - أن شاء الله اتفقنا
- تبادلا التحيات النهائية وأغلق الخط ... كانت أطول مكالمة فى التاريخ وحينما نظر إلى الساعة وجد ان دقائق المكالمة لم تتجاوز الثلاث دقائق .. كذب الساعة فقد شعر أن دهراً مر عليه ...
- لم ينتبه إلى رنات التليفون بجواره وقد تصاعد معه صوت والدته ...." مصطفى ... ولم ينتبه إلى كل ذلك ولكنه وجد والدته ترد على التليفون وهى تكيل له اللعنات ... ولم يفهم ماذا تقصد فقد كان مشغولاً فى أشياء أخرى...
- لم تكن ليلة السبت ليلة مريحة فى النوم أحلام كثيرة راودته عن اللقاء اغلبها كان سوداويا ... صباح الأحد ذهب مبكراً إلى العمل .... .. وبدا متوترا طوال اليوم ..فلتت أعصابه كثيراً على العمال .. انهارت الرمال من تحت أقدامه وهو يقف فوق أحد ممرات يتم حفرها من أجل الصرف الخاص بالمبنى فوجئ بنفسه وسط الرمال ووسط العمال فى اسفل الخط ... تلون القميص الأبيض بلون الرمال ... نظر إلى حذاءه الرياضى الجديد .. فوجئ به يرتدى الحذاء القديم كان الاثنين على نفس الشكل فقد كان لا يهتم كثيرا بقضية الموضة كان ما يهمه متانة المنتج فقط ... ولكنه ظل يلوم نفسه كيف سوف يقابلها هكذا ..كان كل دقيقة يطمئن على حقيبة الكتب وهل وضع كل الكتب أم لا ..لم يكن هناك وقت لأى شئ آخر..
- اقتربت الساعة من الرابعة ترك مقر العمل سريعا .. بدت الساعة تمر بسرعة اخذ يضغط على قدمه ظل ينظر فى الساعة مرة وراء أخرى ...
- شعر أن الأتوبيس تأخر كثيراً ... لكثرة ما كان ينظر إلى الساعة ......
- وقف أمام المسجد ..... كانت الساعة لم تتجاوز الرابعة والنصف ...أمامه نصف ساعة .. يشعر دوما بالفخر لحرصه على مواعيده .. .. ظل يراقب الساعة برهة ثم الطريق .. خاطره عبرت فى رأسه ميعاد غرامى قرب مسجد .... وأى مسجد ... أنه مسجد يؤمه أحد قيادات الإسلام السياسى من ذوى الأصوات العالية ... تذكر أحد أصدقائه اليساريين وهو يقلد الرجل ويعلو صوته.... " شريعة الله تعطل وهم يتجرعون البيباسى فى الطرقات " ... الرجل يقصد "البيبسى" لكنه ينطقها بعربية مضحكة ... تصور لو كان هناك درس اليوم فى المسجد ورأوه وهو يقابل الفتاة ...." ترى أي حد سوف يطبق عليه " ... " حد الزنى أم حد الحرابة"
- رآهم وهم يهجمون عليه ..تذكر قول صلاح جاهين :
- ورا كل شباك ألف عين مفتوحين
- وأنا وأنتى ماشيين يا غرامى الحزين
- لو التصقنا نموت بضربة حجر
- ولو افترقنا نموت متحسرين
- وعجبى
- ............ لم يخرج من الهجوم إلا على حركته اللاإرادية للنظر فى الساعة التقط أنفاسه من ذلك الخاطر المرعب ..... مرت الدقائق لوكأنها نصف ساعة بتوقيت " أطول يوم فى التاريخ .. " تذكر هذا الفيلم .. وتصور لو جمع كل الأوقات الطويلة فى موسوعة فلديه أطول مكالمة فى التاريخ والآن أطول نصف ساعة .... اقتربت الساعة من الخامسة أخذ يفكر فى أي الاتجاهات سوف تأتى هى وأخيها كما قالت له ...تذكر الشارع بجوار المسجد تحرك فى اتجاهها .. تسأل فى نفسه على ستأتى فى الميعاد أم ستتأخر كعادة كل الناس ... أخذ يفكر فى سيناريوهات المقابلة كيف سيتكلم مع أخيها...تطلع إلى الشارع وجد سيدة تأتى ومعها فتاة ... وحينما بدءوا فى الاقتراب ... شعر أنها هى .......... نعم هى .. لكن من السيدة معها لم يطل التفكير فقد تحرك فى اتجاههم بالفعل ..وبدت ليلى اكثر شجاعة وهى تقدم والدتها له ... سقطت كل السيناريوهات التى اعددها ... ورغم انتشائه بالفخر لكلام "ليلى" عنه لوالدتها وكيف يعمل .. ومقارنتها بينها وبين أخيها الكسول الجالس فى المنزل طوال فترة الصيف ..فلم يجد الكثير ليقوله...سلم الكتب بدت السيدة تشكره على اهتمامه .. لم يعد هناك الكثير ليقوله .. ترنم بعدد من التحيات .وبدا أنه يجب أن ينسحب افترقا على أمل أن يتم اتصال تليفونى أخر خلال أسبوعين لكى يعيدوا الكتب ... كان غارقاً فى كثير من التسأولات فى رأسه عن كيف رأته السيدة .. كيف كان الانطباع ... ...
- مر الأسبوعين بنفس فلسفة الوقت الطويل الذى بات يتبناها .... وجاء اتصالها هذه المرة بنفسها وطالت المكالمة لم يعرف كيف وجدا أطراف حديث بينهما ... وكان أكثر سعادة حينما قالت له أنهم سوف يلتقون بالقرب من مقر كليتها .. فقد بدأت الدراسة ...بدا سعيدا سوف تكون وحيدة ... لاك فى رأسه مئات السيناريوهات حتى يوم الميعاد كيف سوف يكلمها كيف سوف يكون .. كيف .. كيف .. العديد من الأفكار .............
- وجاء اليوم الميمون ... والتقيا كانت فى أبهى صورة .. أعجبه لون ملابسها الأزرق لكنه لم يدقق كثيراً فى ملامح جسدها ... أو حتى فى تفاصيل ما ترتدى كان عينه على الوجه الخالى من اى مساحيق... الخجل الذى يعطى الخدود مكياجاً خاصاً ...كان يكره فى حياته هؤلاء السيدات المتلونات بالمساحيق .. الحجاب الأبيض الذى يزيد من اشعاع بياض وجهها حتى بدت كلؤلؤة وسط محارتها...كان شاغله الأول فى المرأة هو الوجه ..... بدا الحوار شيقا خرج عن كل ما رسمه من سيناريوهات .. أعطته الكتب كان لديها محاضرة .. لكنها بدت أنها لن تذهب إليها تحدثا عن أشياء كثيرة ليست ضمن اهتماماته ... ماركة سيارتهم .. أشياء غريبة عن تفكيره لكنه بدا مستمتعا ... وحينما قالت : المحاضرة موش مهمة ....واخذ يفكر فى مواعيده ..سقطت من رأسه كل المواعيد .. عليه أن يقبض على تلك اللحظة ... ولكن هيهات ... انشقت الأرض على زميلها الذى كرهه أثناء الدورة بدا مستظرفا بالتحيات ... وكان كمفرق الجماعات ... فقد أُسدل الستار على الحديث تركتهم مسرعة للحاق بالمحاضرة ..!!!
- لم يلبث أن فعل هو مثلها .. وتركه متحججا بمواعيد اليوم ......
- عاد إلى منزله .. نوى أن يرمى بالحقيبة على مكتبه .. لكنه توقف قليلاً .. حينما تذكر أنه شئ منها .. وضع الحقيبة البلاستيكية على المكتب .. أخرج الكتب ..أريج نفاذ خرج من الحقيبة يبدو أنها رائحة عطرها .. نعم إنها رائحة عطرها لم ينتبه إليها أثناء اللقاء ........ اخرج الكتب تشمم رائحة الحقيبة مرة ثانية .. دفنها وسط أوراقه .......... وكلما وقعت عينه على الحقيبة فكر فى أن يتصل بها .. وكانت قد قالت له وهى تودعه خلينا على اتصال ... فعلها مرات عديدة أدار قرص التليفون برقمها وهو يشعر بالنشوة .. لكن فى كل مرة كان يفعل ذلك .. كان يدير القرص والسماعة موضوعة .. واكتفى بذلك الأريج الفواح الذى اختفى مع الزمن من الحقيبة لكنه لم يختفى من ذهنه ...
Tuesday, February 2, 2010
نوايا سيئة
- أنهيت المهمة بنجاح" هكذا حدث نفسه وهو يلقى بنفسه على مقعد الأتوبيس وقد اقتربت الساعة من الثالثة عصراً كان يوما شاقا حقا عليه فهو لا يحب العمل خارج المكتب ويكره أن يقابل عملاء فى الخارج فعليه أن يكون فى أبهى صورة وعليه أن يلف رقبته برباط عنق .. ويجب عليه أيضا أن يبتسم مهما كانت الظروف ... كان دائما يقول لمديره أنه حينما يفعل ذلك ويذهب إلى عميل فإنه يشعر وكأنه "مندوب مبيعات فى محنة" على نمط رواية ارثر ميللر ويتذكر أنه قرأ مرة من قبل أن نهاية قصة "محنة رجل بيع " كانت مأساوية حينما انتحر مندوب المبيعات فى زمن السوق السعيد .. لكن قناعة مديره كانت دائما انه الوحيد الذى يمتلك مهارات التفاوض وأن هيئته الشكلية مناسبة لمثل هذه الأعمال ..... وهو لا يرى كل هذا فى نفسه ويشعر أن تركيبة شخصيته تميل إلى الخجل .. ولكن هيهات لا أحد يختار ما يعمل ... وتذكر أنه حينما دلف إلى المكتب ذلك الصباح وأختار رابطة العنق المناسبة التى كان دوما يترك عددا منها فى درج مكتبه فقد كان لا يربطها إلا حينما يكون فى حاجة إليها لذلك كان يتركها فى المكتب .. وحينما رأه زميله فى المكتب أشار إليه بدعابة أصولية كثيرا ما كان يلقيها هو على مسامعهم حينما كانوا يرتدون رابطات العنق " آنت ما سمعتش عن فتوى ابن بطة فى تحريم لبس الكرافتة " .. نظر إليه فى غيظ وقال .. إسماعيلية يا سيدى لازم أروح الجامعة هناك النهاردة علشان نقدر نبتدى الشغل من الأسبوع القادم ......... استمر تدفق نهر ذكريات ذلك اليوم فى رأسه وتوقف عند وجه تلك السيدة الذى كان عليه أن ينهى معها الإجراءات الإدارية اللازمة للشركة لبدء النشاط داخل الحرم الجامعى كانت سيدة أقل ما توصف أنها "حيزبون" كانت فى الأربعينات من عمرها ومازالت تظن نفسها فى العشرينات كانت تتصور نفسها افروديت أسطورة الجمال الإغريقية بينما هى كانت تشبه الوحوش فى الأساطير الإغريقية .. كان شعرها ملوث بالألوان وكذلك وجهها وهى تضع المساحيق بشكل لا يدل على أى فهم فى أصول المكياج .. أحس منذ دخوله المكتب أنها تلتهمه بعينها ورغم حصولها على ظرف الهدايا فقد أسرفت فى الطلبات الذى يجب أن يفعلوها ...انبسطت أساريره حينما طلبت له ليمون فقد كان يحتاج إلى تهدئة أعصابه حتى لا تنفلت مشاعره ويلعن اليوم الذى عمل فيه فى هذه الشركة ويترك كل شئ ويرحل .. راح يحثها على سرعة إنجاز الإجراءات ولكنها أسهبت "أنت وراك ايه موش إحنا بس النهاردة وكمان "أنت مش معاك عربية" ... وحينما قاطعها قائلا "أنه استخدم المواصلات للسفر نظرت إليه فاغرة فاهها "شركتكم الكبيرة دى بتوفر فى كل حاجة"....نظر إليها هو الآخر فى دهشة .. راح يغمم فى نفسه "شركة كبيرة دول لو فى أيديهم يوفروا مصاريف السفر كانوا عملوها" لكنه ابتسم ابتسامة بلهاء لا تدل على إى شئ .........
- قطع تدفق نهر ذكريات اليوم صوت شاب التفت إليه أنه يرجوه أن يغير مكانه داخل الأتوبيس لأنهم أثنين زملاء ويريدون أن يجلسوا سويا رأى نظرة الرجاء الشديدة فى عينيهما لم يتردد فى أن يغير مكانه سريعا .. فقد كان نفس الصف واهم شئ بالنسبة له أن يجلس بجوار النافذة كى يرى معالم الطريق والأتوبيس يتحرك ... نظر فى ساعته تعامد العقربان تماما أنها الثالثة .. شعر أن الأتوبيس لن يتحرك فى ميعاده بالضبط كعادة كل المواعيد فى مصر .. تذكر دوما تشدده فى المواعيد حينما يأتى أحد متأخرا ويقول له "يا عمى دول خمس دقائق" كان يعتبر ذلك إهانة شخصية للشخص المنتظر وكان دوما يردد "سبعة ونصف " ليست " سبعة ونصف وخمسة " لكن خفف من وطأة شعوره بالتأخير أن الركاب أصبحوا يتوافدون على الأتوبيس واكتملت معظم صفوفه ... أعجبته فكرة أن هناك كثير من الطلبة فى الأتوبيس تمنى أن يجلس بجواره طالب ليتأكد أن المكان الذى اختاره مناسبا ومعروفا وسط الطلبة حتى يكون قد أتم مهمته على أكمل وجه ... صعد السائق إلى الأتوبيس تزاحم عدد من الطلبة فى الممر .. تقدمت فتاة لتجلس بجواره .. كانت تتحاور مع شاب أثناء جلوسها تصور أنه يجب عليه أن يغير مقعده للمرة الثانية وحين أشار بذلك فاجأته قائلة "ده معايا طول النهار أنا زهقت منه " لم يملك سوى الابتسام .. كان يريد من يجلس بجانبه أن يكون طالبا حتى يستطيع أن يتكلم ويسأل براحته .. خشى من طالبة لأنها سوف تظنه يعاكسها حينما يتكلم معها.. هكذا دارت الأفكار فى رأسه .. لكنها لحسن الحظ لم تتركه لأفكاره كثيرا وبدأت تسأله "يا ترى كنت فى اسماعيلية ليه يا أستاذ" .. التفت إليها وعينه مكسورة من ضوء الشمس المتسلل من النافذة مجرد شغل فى الجامعة .. وياترى حضرتك كنت فى الجامعة الجديدة ولا القديمة ... شد ستارة الأتوبيس واعتدل تجاهها وبدأ يخرج أوراقه إحنا شركة ...وظل يسرد ما فعله واخرج لها الرسم الكروكى الذى قام به للجامعة وسألها إذا كان المكان الذى اختاره معروفا للجميع ... وقد شعر بالغبطة لأنها أبدت إعجابها بالرسم الكروكى وأنه لا يمكن أن يكون رسمه فى زيارة واحدة للجامعة وقالت " أنا فى الجامعة من سنة ولسه مش عارفه كل الأماكن اللى أنت رسمتها فى يوم واحد" وزاد من غبطته اكثر أن المكان الذى اختاره يتوسط الجامعة وكل الطلبة يعبرون عليه ويعرفونه ..... ولكن حماسه فتر حينما قالت " ربنا يوفقكم " شعر من أسلوب إلقاء الكلمة أنها لا ترغب فى الاستمرار فى الحوار بدأ الأتوبيس فى الحركة تذكر أنه تحدث عن نفسه كثيرا ولم يعطى لها أى فرصة للحوار ..... فكر فى أن يحاول أن يتعرف عليها لكنه وجد أنه عرف كل التفاصيل الذى يريد أن يعرفها .. فلا داعى لإزعاجها .. هم بفتح الستارة ليشاهد الطريق ... بدأ تشغيل الفيديو
- - وجدها تقول يا ترى فيلم إيه؟.. سردت عدة أسماء للأفلام تذكر أنه شاهد أحدهما صباحا ، وهم بأن يعلق لكنها قالت أصل الأفلام محفوظة شركة الأتوبيسات بتعرض نفس الأفلام ولا تتغير ...
- - قال : كنت أفكر صباحا لما الفيلم كان سئ لماذا لا يتم عرض أفلام تسجيلية عن المدينة التى سوف يزورها الأتوبيس.
- - "أفلام تسجيلية" قالتها بصوت ينم على الانزعاج ونظرت له من أسفل النظارة التى كانت ترتديها "هو مين فيه دماغ" !!!
- - لم يستطع أن يعلق لكنها يبدو أنها شعرت بحرجه من الكلمة التى قالتها .. واستطردت قائلة " أصل الواحد بيكون مجهد من المحاضرات ومحتاج حاجة ترفه عنه " ....
- - حاول أن يبقى على طرف الحديث مفتوحا فأمامه ساعتين على الوصول إلى القاهرة فاستفسر بصوت منخفض ينم على الارتباك ...وحضرتك كلية ايه ؟
- - بدت متحمسة هذه المرة أنا كلية تجارة إنجليزى ..
- - قاطعها بسرعة كلية جميلة المستقبل دلوقتى للإنجليزى والكمبيوتر فى فرص العمل .. واخذ يعدد لها كيف تلتحق بدورات الكمبيوتر أثناء الدراسة أو بعد ما تنهى الدراسة وعدد لها المنح التى تمنحها وزارة الاتصالات وكيفية الالتحاق بها ...
- - رددت متململة " إن شاء الله " .......
- قُطعت كل أطراف الحديث مرة أخرى لا يعرف لماذا لا يستطيع أن يضبط موجته على الموجه الخاصة بها...
- - عاد يتأمل الطريق .. تذكر كم مرة مر على هذا الطريق كان مصيف الأسرة الدائم فى "فايد" كان خاله ضابطا فى القوات المسلحة .. علت الابتسامة وجهه وهو يتذكر كيف كان يرتدى بدلة عسكرية كاملة وهو صغير ويعلق " الرتب " الخاصة بخاله عليها ... مر الأتوبيس بجوار إحدى الدبابات على نصب تذكارى فى الطريق تذكر أن رأسه خبط فى غطاء هذه الدبابة حينما أصر على أن يشاهدها مرة فى رحلة العودة ... وتذكر أيضا كيف أن كل مرة يذهب ويشاهد الدبابات مع خاله كان رأسه يرتطم بها حينما يخرج من تلك الفتحة الضيقة .. كان لا يعرف كيف وخاله بهذا الطول ويدلف إليها دون أى مشاكل وهو يرتطم رأسه بها كل مرة .. كانت من أكثر الأشياء التى تضايقه وهو صغير ثقل الخوذة وخبطات الدبابة مما جعله يقول بكل ثقه إلى خاله فى أخر مصيف "أنا غيرت رأيى مش حكون ضابط جيش أنا موش مستغنى عن دماغى " ولم يكن يدرى وقتها لماذا علت ضحكات أفراد الأسرة .....
- - بالكاد سمع صوتها ... وهو غارق فى ذكريات الطفولة .وحضرتك هواياتك ايه؟ .... التفت إليها مرة ثانية واخذ يعدد لها حبه للقراءة وجمعه للطوابع .. ولعبه الشطرنج وكيف أنها معركة بلا سلاح ... .
- - قاطعته بحدة وهى تضغط على حروف كلماتها "وحضرتك ما بتسمعش اغانى .. كاظم الساهر مثلاً ...
- - طبعا بحب الأغانى لكن انا بحب كلمات اغانى كاظم لأنى قرأتها من أشعار " نزار قبانى " وإن كنت بحب فى نزار القصائد السياسية .. " هوامش على دفتر النكسة "...
- - قاطعته مرة ثانية متمتمة طبعاً طبعاً ...الجزء ده من الفيلم جميل وأدارت وجهها ناحية شاشة العرض ..
- عاد ينظر مرة أخرى يتأمل الطريق .. لم يخرج من ذكرياته هذه المرة إلا على خبطة فى كتفه التفت وجدها مستغرقة فى النوم وقد سقطت رأسها على كتفه .. بدا المنظر غير مريح له ... ابتسامة علت وجه أحد الطلبة يوازيه فى الكرسى على الجانب الثانى من الأتوبيس شعر بالحرج ... ذلك الغبى لا يفهم انه لايعرف الفتاة وأنها بحق نائمة .. انسحب بجسده حتى التصق بجدار الأتوبيس .. سقطت رأسها من على كتفه فتحت عينيها معتذرة ... وعدلت رأسها مرة أخرى ....
- مرة ثانية سقطت رأسها على كتفه التصق مرة أخرى بجدار الأتوبيس لا يعرف أين يذهب .. فكر لو كان هناك مقعد خاوى .. ويترك لها الكرسى ..
- جاءت المضيفة بدت ابتسامتها ابتسامة خبيثة وهى تنظر إليهم " تحبوا تشربوا حاجة " استيقظت مرة ثانية وهى تشكر المضيفة شكرها هو أيضا .... ولكن لم يفت عليه أن يلعن سوء ظنها فى سره...
- انتهز فرصة استيقاظها ..سألها " تحبى تيجى مكانى " .. .. شكرته واستغرقت فى النوم ...
- لكنها عادت وأمالت رأسها على كتفه بدا كفأر مذعور منكمش فى ركن غرفة وهو منكمش فى نافذة الأتوبيس ... لم يعد هناك مكان ينسحب فيه .. شعر بأن الأتوبيس كله ينظر إليهما ويظن بهما السوء .. ..
- تيبس كتفه خشى أن يسحبه فتقع وهو لا يريد إزعاجها .. وفى نفس الوقت لم يكن يري أن يساء الظن بهما وسط كل هذا الجمع ... شعر بكل العيون تنظر إليه فكر فى ثمانين عين يملؤهم الشك نحوه .. .. مضت الدقائق بطيئة لم يعرف كم مرة عدلت من وضع رأسها واعتذرت .. وحينما دخل الأتوبيس شرق القاهرة بدت تستيقظ يبدوا أنها تسكن قريبا هكذا حدث نفسه ..... فكر فى أن يسألها كيف أنها تضبط ساعتها البيولوجية بحيث تستيقظ حينما تريد ... لكن لم تمهله قليلا بدأت فى حزم متعلقاتها .. فرصة سعيدة يا أستاذ .. وتركته دون أن تلتفت مرة ثانية.............
- لم يدرى لماذا كانت قصته نكته المكتب كله صباح اليوم الثانى.. فحينما هم أحد زملائه بسؤال خبيث تعرفت على حد من الجامعة .. وحينما سرد القصة بدا زميله يقول له فى حد يكلم واحدة عن الأفلام التسجيلية وبرامج الكمبيوتر والشطرنج يابنى أنت خلصت على مرارة البنت ... وبعدين نامت على كتفك يا أخى أتحرك ... طيب عرفت أسمها ، ساكنة فين ...
- - قال له باستهزاء وأنا اعمل أيه بكل ده أنا كان المهم بالنسبة لى أعرف المكان اللى اخترته وبس ..اعمل أيه باسمها ولا حتى برقم تليفونها .............ثانيا وده الأهم دى بالنسبة لى طفلة دى سنها من سن بنت أختى ..........
- ليه هو أنت عندك كام سنة أنت لم تتجاوز الثلاثين ... فى نفس الوقت دخلت المكتب زميلتهم .. لم يتوانى زميله عن شرح القصة لها .. قالت هى الأخرى يا أستاذ لا توجد واحدة محترمة تنام فى أتوبيس وبجانبها إنسان غريب ..
- تذكر نظرات المضيفة .. ومن فى الأتوبيس والآن زملائه ......
- خيم على يومه الاستياء لم يعرف لماذا أصبح كل الناس ذوى نوايا سيئة .............!!!
Monday, February 1, 2010
"انسحاب"
- لم يدر لما بدت صامتة أثناء الغذاء ... لم يعرف مكنون نفسها ..وحينما أنهوا الغذاء،أخرجت الرقعة الجلد من الشنطة وبدأت فى رص قطع الشطرنج....
- - اعترضها .. لا أريد أن ألعب اليوم ... بدت عصبية .. وهى ترد لماذا ؟ .. أتريد أن تنسحب كما تنسحب من أشياء كثيرة..
- - أنسحب .... ماذا تقصدين ؟؟؟ أى أشياء أنسحب منها ؟!
- - لا أقصد شيئًا .. .. لكن لماذا لا تدافع عن مواقفك للنهاية ؟
- - اية مواقف ؟!
- - ما فعلته اليوم فى مجلس القسم ...
- - لقد أدركت خطأ رأيي لذلك تراجعت إلى جادة الصواب ...
- - أى صواب ؟. الصواب أن تترك زملاءك بعد أن اقتنعوا بوجهة نظرك فى منتصف الطريق ....
- - لم أتركهم ..
- - قاطعته ..ليست المرة الأولى .. وأكملت رص القطع ...
- - لم يكن يريد أن يلعب ..كان نصف تركيزه مفقودًا بعد معركة اليوم ... وعادة يخشى أن تهزمه فقد كان بالكاد يهزمها أو ينجو من هزيمة محققة ... بالتعادل ... لكن روح التحدى التى كانت تبديها جعلته يريد أن يكسبها ... ثم علق قائلا ماذا تقصدين أنها ليست المرة الأولى ؟
- - بدأت اللعب ... مواقف كثيرة من قبل انسحبت منها وأنت قاب قوسين أو أدنى من الوصول لما تريد .. ألا تتذكر ردودك على والدى فى مسألة البعثة ولولا تدخلى لما كان وافق لأنك ببساطة تراجعت عما اتفقنا عليه ..
- - كل ما تقولينه مجرد هراء .. يجب على المرء أن يحدد مواقفه تبعا للمواقف وعليه أن ينحنى للعاصفة .. حاول أن يخرج من الجو المكفهر بينهما مهرجا : وبعدين تعالى قوليلى منْ أشهر فى التاريخ روميل أم مونتجمرى ؟
- قطع الحوار وصول الجرسون .. كان يريد أن يتأكد من طلباتهما الدائمة .. لكن الاثنين غيروا ما تعودوا عليه وطلبوا ليمون ...
- - قبل أن ينصرف الجرسون سأله : عم عبده " تعرف روميل ولا مونتجمرى " ... رد عم عبده: فى حد ما يعرفش روميل " ده ثعلب الصحراء " وغادرهما دون أن يبدى جهله بمونتجمرى.
- - روميل لم ينسحب إلا مرة واحدة وكان دائما فى المقدمة وسط جنوده .. مرة واحدة انسحب تبعا للظروف .. لكن لم يكن منسحبا دائما .. أنت تبدو أقرب للانبطاح ..... ممكن تسأل عم عبده لما يجيب الليمون .. مين أشهر فى مصر عبد الحكيم عامر ولا "موشى ديان " ....
- بلع ريقه بصعوبة بالغة .. من إشارتها الأخيرة إلى نكسة 67 بسبب الانسحاب ... لم ينقذه إلا ارتكابها خطأ فادح فى اللعب .. استغله بقسوة مضحيا بإحدى القطع .. نسيت أن تسأل الجرسون حينما وضع الليمون ......
- - قال بصوت منتش بالنصر: ماذا سوف تفعلين بميولك التقدمية أمام هذا الهجوم ... وضغط على ساعة الشطرنج بعصبية ....
- أخذت وقتاً طويلاً وهى تفكر ..... لم تستطع أن تتكلم ... حاولت أن تخرج من المأزق ظلت تفكر فى عدة خيارات لكنها فى النهاية اقتنعت ... أن نقلتها القادمة إجبارية ... أكلت القطعة وهى تعرف المصير المحتوم لملكها ...
- - استمر فى التضحيات بقطعة أخرى ... بدت مستسلمة .. وهى تقبل هداياه المسمومة ..... أضاف : منْ يتقهقر الآن ...
- حاولت استعادة موقفها لكن هيهات رأت الهزيمة فى الأفق .. بدا غير مكترث وهو يضيع الوقت فى أكل المزيد من القطع لكى يعوض ما خسره ... ولكن استهتاره وتشتته فى أكل قطع غير هامة جعله يخطأ هو الآخر ..جاءتها الفرصة وقاتلت بروح النمور الجريحة رغم ضيق الوقت فى ساعتها ...
- أصبح عليه أن يخسر وزيره .. أخذ يفكر فى الأمر مليًّا ..مخرجاً صعبا وجده ..أن يكرر النقلات .. وإلا سوف يخسر وزيره ...أخذ يكيل الكشات لملكها وهى تلعب نفس النقلات .. انتزع التعادل..
- - علقت : رأيت كيف أنك لا تقاتل إلى النهاية ...
- - تجرع كوب الليمون مرة واحدة متفادياً النظر إليها ... لكنها لم تتجرع الليمون .. فاجأته بنـزع دبلة الخطوبة من يديها وعلقتها فى رقبة وزيره .. لن أبنى حياتى مع شخص يبحث عن التعادل لا على النصر .. غادرت مقعدها غير ملتفتة لكلماته المخنوقة : منْ ينسحب الآن واجهيني ... ضاع صوته وسط الضجيج ..
Thursday, January 21, 2010
شاهد حب
- لم تكن الحفلة الأولى التى يحضرها وربما لن تكون الأخيرة ، فمنذ التحاقه بالعمل داخل الجامعة وهو يداوم على حضور الحفلات الموسيقية التى تقام داخلها ، كان يحاول أن يجد طريقا إلى تذوق الفن كما إنها أرخص وسيلة للترفيه فى ظل الظروف الاقتصادية الحالكة ، ففى نهاية الأسبوع يحضر الحفلات مجاناً وله أن يدعو من يحلو له من أصدقاء ، لكنه كان يؤثر دوما أن يذهب وحيداً ، ورغم ابتعاده بشكل عام عن الحفلات العائلية وعزفه عن صخب حياة الشباب فإنه كان يعشق ذلك الجو الأسطورى داخل قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة ، ورغم مشاركة الطلبة وأعضاء هيئة التدريس بالملابس العادية فقد كان حريصا كل الحرص على هندامه الذى قلما يحافظ عليه ويرتدى حلة كاملة ويحرص على اختيار الألوان المتناسقة والكرافت المناسب.
- ومنذ دخوله إلى تلك القاعة فى ذلك اليوم كانت تتنازعه عدة خواطر كيف أنه عزف عن حضور حفلات الزفاف لعدة سنوات بينما يحرص على تلك الحفلات ... وكان ما جعله يفكر فى ذلك أن ذاك اليوم كان حفل زفاف أخت احد أعز أصدقائه لكنه لم يحضر وآثر أن يحضر الحفل وبرر بأنه لا يحب أماكن الزحام أو الأفراح ... كان لديه دوما أزمة مع الأفراح منذ الصغر لم يكن يحب أن يحضرها كل ما يتذكره عن الأفراح وهو صغير أنه كان دائما باكيا لذلك بعد زواج آخر أخواته قرر أن لا يحضر أى فرح .. كان البعض يتصور أنه من ذوى الاتجاهات الأصولية لتجاهله الأفراح ولأنه لا يعتنى بهندامه .... خرج من أفكاره على صوتها وهى تقول له عضو هيئة تدريس حضرتك .. باغته السؤال كانت إحدى الفتيات من اتحاد الطلبة عرف من الوشاح الأخضر الذى يلفها باسم الاتحاد ... اخذ وقتا كى يقول لها موظف بالجامعة خرجت الكلمات منه فى شكل تهتهة .. تبع إشارتها للمكان الذى يجب عليه أن يجلس فيه .. ومنذ تلك اللحظة تعلقت عينه بها كانت ذات وجه صبوح يكتسى بمسحة من البراءة ... نسى الحفل ونسى التذوق الفنى وأصبحت هى محور اهتمامه كأنها نجمة الحفل كان يحرك رأسه يمنة ويسرة تبعا لتحركها وهى تتحدث إلى زميلاتها فى الاتحاد أو وهى تُجلس أحد المتفرجين أصبحت بوصلة رأسه تبعا لهوى حركتها وظل قبل بدء الحفل يفكر ماذا لو كلمها ؟؟ ... لكنه لم يكلم أى فتاة من قبل ؟ كيف يبدأ الحوار ؟ .... قطع تفكيره صوت مقدمى الحفل وكانت إحدى زميلاتها وهى تقدم الفقرة الأولى كان حفلا لفرقة الموسيقى العربية ويشمل مجموعة من الأغنيات القديمة يؤديها بعض أفراد الفرقة .. وبدأ الحفل كانت إحدى أغنيات أم كلثوم لفتاة ... وكانت كلمات الأغنية تعطى إشارة إلى ما يعيشه فقد كانت تقول " أول عيني ما جت فى عنيه" ...رفع عينه بلهفة من على المغنية ينظر إليها لعله يجد صدى فى عينيها لكنه وجدها كفراشة توزع الابتسامات هنا وهناك بين صديقاتها ... إذا ليست الأغنية إشارة لشئ إلا أن خياله ظل يسرح مع الأغنية ... ثم مرة ثانية أفاق على تصفيق الحضور للمغنية فأخذ يضم يده سريعا هو الأخر .. وتحركت بوصلته مرة ثانيه تجاهها وجدها تتحرك تحمل باقة من الزهور تعطيها للمغنية ... وأستمر الحفل وسرح بخياله مرة ثانية ترى كيف يفتح حوارا معها ، ظل يتابعها هي وصديقاتها ووجد أن كل منهن تحمل باقة من الورود ماذا لو ذهب خلال الاستراحة ليطلب منها وردة ؟؟ كانت مخاطرة غير مأمونة العواقب ماذا لو صدته سوف يحرج أمام الجميع التفت حوله رأى المشهد فى خياله كل هذا الجمع وهو ينظر إليه ضاحكا ... ! إذا ماذا لو أنتظر حتى يفرغ الحفل وبقيت معها وردة وطلب منها سوف يكون الوضع أسهل قليلا عشرات الأسئلة ظلت تدور .. هل سيتبقى معها ورود بعد انتهاء الحفل .. علينا أن ننتظر ونخطط هكذا حدث نفسه ...كان عليه أن يستعيد فى رأسه كل ما قرأ من كتب كان عليه ان يسترجع ما قرأه عن التخطيط .. لكن أول ما بدر فى رأسه كانت قرأته عن التخطيط العسكرى الذى ظل يقرأها لفترة حينما كان حلم حياته الأول أن يصبح ضابطا فى مصنع الرجال كما كان دائما يسمعهم يقولون عن القوات المسلحة فى كل البرامج ولمع فى ذهنه أسم كتاب " إلى الأمام يا روميل" .. ماذا لو استبدلنا إلى الأمام يا روميل بـ " إلى الأمام يا على " !!! التفت إليها خيل إليه من بعيد أنها تنظر إليه !!! تلعثمت أفكاره ... ما هذا الذى يفكر فيه "روميل" أنها لا تستحق هذا التفكير عليه أن يفكر فى الحب إذا فليسترجع سريعا ما قراءه من روايات الحب والغرام " لمعت أسماء مثل إحسان عبد القدوس والمنفلوطى وآخرين " ربما هذا الحب الأول الذى سماه إحسان أم ما كتبه .... وأخذت عشرات الأسماء تجرى أمامه كان يوصف وسط أصدقائه بأنه دودة كتب !! من كثرة ما يقرأ وكان البعض يسخر منه أنه يعيش فى الوهم وأنهم يعيشون فى الحقيقة ، إذا عليه أن يحيا الآن فى الحقيقة .. ثم أردف قائلا فى نفسه " أنا مش بتاع زمان " سوف أحدثها مهما كان الثمن ...
- مر نصف الحفل .. وجاءت الاستراحة اخذ يتبعها بنظراته خيل إليه مرة ثانية أنها ترقبه أيضا ثم دلفت إلى أول الممر الذى يجلس فيه .. ما هذا أسوف تحدثه هى ... أهذا زمن المبادرة النسائية ... تصاعدت دقات قلبه أحس بوجهه وقد أصبح ساخنا .. خيل إليه أن وجهه يكتسى بالحمرة .... توتر فى جلسته وهى تقترب اكثر .... حسناً فعلت .. لقد توقفت قبله بمقعدين .. ما هذا إنها تحيى إحدى الأساتذة قبله بمقعدين أنه يعرف ذلك الشخص لطالما ساعده فى القسم حيث كان يجهل العمل على الكمبيوتر وكان الأستاذ دائما يحيه ويشكره على جهده .. زاد ذلك من توتره فلو حاول كلامها سوف يتم أهانته أمام أشخاص يعرفونه حق المعرفة وبين زملائه سوف يكون أضحوكة فى مقر عمله ..... ركز نظراته عليها أنها تعطى زوجة الأستاذ برنامج الحفل.. نعم هذه هى الفرصة سوف يطلب منها برنامج الحفل إذاً سوف تكون تلك البداية. عليه أن يحزم أمره الآن بدأت تلمع فى ذهنه الخطة سوف يطلب منها برنامج الحفل وسوف يأخذه منها بل سوف يناقشها فيه وسوف تكون اهتماماتها مثل اهتمامه الأغانى الوطنية لا ربما تكون رومانسية حالمة كل الفتيات كذلك لا إنها مختلفة أنها مثله تماما ربما الأفضل أن تكون عكسه !!! ليس المهم هذا الآن المهم أن يحدثها . وسوف تكون هى البداية " نعم نعم هذه هى أقوى البدايات الرومانسية لأولى قصصه " هكذا حدث نفسه .... ! ماذا ؟؟؟ أنها ليست أولى قصصه ؟!! نعم لقد تذكر الآن تلك الفتاة التى كان يحب اللعب معها فى المدرسة الابتدائية أنه يتذكر كيف كان يقتسم الحلويات معها بل يتذكر كيف كان يقسم قطع البسكويت كل يوم إلى أثنين وكان حريص أن"يقبل" كل قطعة سوف يعطيها لها قبل أن تأخذها ... " علت وجهه ابتسامة حينما تذكر ذلك .. " أشياء طفولية " هكذا تمتم .... لا ليست طفولية .. إن لديه مغامرات أنه يحيا فى الحقيقة مثل الآخرين وسوف تكون تلك تجربة العشرينات الأولى .. كما كان تقبيل البسكويت تجربة سنوات الطفولة ... نعم إنه حبوب من يومه ... " لا " أنا مقطع السمكة وذيلها " ... رغم عدم حبه للسمك أبدا طيلة حياته وكان دائما يفشل فى أكله .. ولم يفهم أبداً معنى تقطيع السمكة وذيلها فقد كان متعودا دوما على أن تقطع له والدته قطع السمك فوق الأرز ... دون جهد ..عليه أن يتذكر ذلك أنه فى المرة القادمة سوف يأكل السمك وحيداً سوف يفعلها ..وهم بأن يحرك يده ليشير إليها لكن يده تعلقت بورقة فى جاكيت البدلة ؟!!! انه برنامج الحفل يخرج من جيب الجاكيت ..... تلاشت الفكرة وأصبحت امتياز فوق الرمال اكتفى بإخراجه من جيب الجاكيت وظل يقرأ فيه ... ماذا الفقرة الثالثة من الجزء الأول كانت أغنية "أنا المصرى " أنها واحدة من أغنياته المفضلة ..!!! لقد انتهت دون أن يسمعها !!! اللعنة على تلك الخطة اللعنة على الحب وسنينه .. ولم ينتبه أنها غادرت مكانها بالقرب منه وعادت إلى مكانها وسط أصدقائها ... قطع حبل تفكيره هذه المرة مقدمى الحفل أنها الفقرة الأخيرة ....... وبدأت المغنية تترنم بـ " لا تكذبى " ..... كم أحب هذه الأغنية ... رنا إليها مرة أخرى أحس تلك المرة أنها تتحاشى النظر إليه .. " نعم نعم لا تكذبى لقد وقعتى فى الحب الأول مثلى " ؟ ماذا لو لم يكن ذلك حبها الأول مثلى ؟رن سؤال الغيرة فى قلبه ترى كم أكلت بسكويت عليه قبلات . لالا ذلك الوجه الملائكى لم يقع فى الحب من قبل هو فقط ... هكذا حدثته الأنا الشرقية .... إذا فهى تحبه لكنها تكذب نفسها أو أنها تريده أن يبدأ ككل السيدات كذلك أنهن " يتمنعن وهن الراغبات " وكثيرى الكذب لا يتذكر أين سمع ذلك من قبل لكنه متأكد أنهم يكذبون على الأقل هى أنها تهرب من نظراته ... قرقعت إيدى المتفرجين بالتصفيق الحاد هذه المرة ... أين الخطة البديلة عليه أن يعود إلى الخطة الأولى الوردة .. تبا لهن أن فتيات اتحاد الطلبة يلقون بالورود إلى زملائهم والمتفرجين بدءوا فى الخروج ... لكنها تحتفظ ببعض الورد .. لكنها تقف وسط زميلاتها ليبقى مكانه أفسح مكانه للمتفرجين بجانبه للخروج .. وانتظر حتى عبر الأستاذ الذى يعرفه ... كعادته وقف يحيه " ازيك يا باشمهندس عامل إيه يا باشمهندس " كانت لازمة دائما يقولها ذلك الرجل ولكن ليس هذا وقتها .. تحمل ثقل الرجل حتى رحل أنها الآن تدلف إلى أول الممر وسط زميلاتها ... سوف ينتظرها أنها تمشى فى النهاية يبدو أنها تساعده ... ربما القدر يساعده ... لعلها تكون إحدى الإشارات الحقيقية هذه المرة ولا تخونه أفكاره كما خانته أول مرة ... فكر سريعا أنها تقترب .. وزيها الأبيض يشع نوراً ... كلما اقتربت ... نعم " إلى الأمام يا على " ... دلف إلى الممر بينها وبين أصحابها .. أصبحت معزولة الآن فى الخلف نجحت أفكار " روميل" و " ماك أرثر " عليه أن يشكر كل هؤلاء .. نعم سوف يشكرهم فى المستقبل القريب سوف تتصدر صورة روميل غرفة صالون عش حبهما ...اخذ يسير ببطىء حتى تتخطاه أو توازيه ويبدأ فى الحوار معها .... لكنه صدم أنها تتحدث إلى إحدى زميلاتها الآن تبقت واحدة معهم " أنه الهجوم المضاد " كيف ينجو منه !!!! لقد تخطته ولكنها ليست وحدها هى وزميلتها ... فشلت خطة العزل .. عليه أن يحدثها حتى لو أهانته أمام زميلتها أنها واحدة فقط عليه أن يتحمل ذلك لقد تأخرت عن المجموعة كلها ... ولم يتبقى إلا تلك .. أنهم يقتربون من بابى الخروج ... وهو يقترب وهو يلهث خلفهما كأنه أحد العدائيين فى نهاية المتر الأخير من سباق طويل .. لكنه لا يجرى وحركتهم ليست بتلك السرعة ودقات قلبه تجاوزت حدود الأمان ولكنه لن يتوقف .. قدمت له أجمل هدية لقد دلفت من أحد الأبواب بينما دلفت صديقتها من البوابة الأخرى .. أنها اللحظة الحاسمة أقترب منها " وهو مازال يتهته مـ .مـ.. ممكن وردة ... أعطته الوردة بكل سهولة ولم تمانع ولم تبدأ أى نقاش .. نظر إلى وجهها كانت تحمل تلك الابتسامة الملائكية ... لم يستطع إلا أن ... يتمتم .... متهتها ... شـ شـ .. شكراً .... ألتقط الوردة من يدها وأخذها .. وخرج... مهرولاً وساقيه يسابقان الريح ..... لقد نجح ..... لقد أخذ الوردة حسب الخطة الموضوعة رغم كل الضغوط وعلت أسارير وجهه ابتسامة النصر !!!! ....
- وأخذ يستنشق عبيرها ..... وهو نشوان ... وفى منزله ترقد تلك الوردة فى درج مكتبه فى مكان أمين .. يلقى عليها نظرة كل فترة ولشده ولهه بها كان يجد فيها شذا العبير رغم عدد السنوات التى مضت ... لم يضعها بين دفتى كتاب .. لديه تجربه حب مختلفة ... ولن تذبل وردة حبه أبداً ....................وسوف تبقى الوردة شاهد حب.
Wednesday, January 20, 2010
حوار مع ملك الموت
- ألقى بجسده على السرير وهو بكامل ملابسه ... لم يستطع أن يستغرق فى النوم . سحابات الحزن التى أظلت اليوم كله سيطرت على كافة مشاعره .. بدا الشعور بالتعب بسيطا بالمقارنة بسحابات اليأس والكآبة التى يعيشها..وذلك على الرغم من المجهود الذى بذل طوال اليوم بين المدافن وأفواج المعزيين حتى بدت كأن يده تعوم فى المياه من كثرة ما سلم على أشخاص سواء يعرفهم أم لا .. لم يعرف كم من الأشخاص قاموا باحتضانه .. لم يعى لكلمات كثيرة قيلت .. كانت إجاباته تمتمة محفوظة لمثل ما يقال فى هذه المناسبات ...كان عقله يسبح فى أشياء أخرى ... كان دوما يردد لزملائه فى هذه المواقف حكمة بوذية قرأها تقول "من يعرف أن كل شئ فان لا يعرف قلبه طريق الأحزان" .. لكنه لم يخطر بباله يوما أنه فى حاجة أن يسرى عن نفسه بهذه الحكمة .. ولم يخطر بباله أنها لن تسرى عنه ... طافت فى رأسه العديد من الأسئلة .. الإحساس بالعجز أمام مفاجأة الموت ... لم يدرى كيف غابت عنه الحقيقة الوحيدة فى الحياة .....
- لم يعرف ماذا يفعل .. هل يصلح البكاء أو العويل -كما فعلت كل نساء الأسرة اليوم - للفوات من أثر هذه المحنة ... تذكر لوم والده له "الرجال لا يبكون" حينما كان يبكى وهو صغير ...بدا أمام الجميع رابط الجأش حتى فى أصعب اللحظات حينما أنهار أخيه الأكبر وهم يضعوا جسد والده نحو مثواه الأخير .. كانت كلمات والده تطن فى إذنه خاصة حينما يكون والده يستاء من بكاءه " النسوان هى اللى بتعيط" ورغم كل فوران الحزن داخل نفسه بدا ثابتا ... وقد سمع بعضهم من وراء ظهره وهم يثنون على ثباته... لم يكن أحد يدرى دواخل نفسه المنهارة التى قاربت على تمنى أن يئد نفسه مع والده فى نفس المكان ..
- فى غمرة حزنه لاحت له فكرة أنه لا يحزن على والده بقدر ما يحزن على نفسه ... أنه يحزن على شخص يستند عليه فى الحياة .. تصور الأشخاص من حوله مجرد عكاكيز يرتكن إليهم لكنه لم يفقد عكازا فقط.. لقد فقد ركنا عظيماً ... قيمة والده فى حياته كبيرة .. رغم أنه اعتمد على نفسه منذ سنوات مضت لكنه كان يعتبره ركنا قويا .. كيف يحيى بدونه .. إن الحياة بدونه ليس لها معنى ...............
- ساعات الحزن حفرت جروحا غائرة فى نفسه ... وحينما استلقى على سريره كانت كلمات مثل لماذا ؟ وكيف ؟ ولما ؟ تخرجه عن إيمانه ...
- تمنى لو يستطيع أن يحاور ملك الموت ؟ تمنى أن لو يراه .. تمنى لو أن قال له لماذا لم أكن أنا ؟ وفى خلال أمنياته
- خيل إليه أنه يراه .. لم يكن كما قرأ أو كما سمع من أحاديث مخيفاً .. لكن جسده أحس برعده شديدة .. من مجرد تصور أنه هو .......
- - بادره بقوله : " كُلُّ منْ عليها فان . ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" ليست حكم البوذية ما تحتاج إليه ... تحتاج أن تعود إلى كتاب الله.
- - صرخ : لماذا مات ؟
- - "كل نفسٍ ذائقة الموت".. الموت حقيقة من حقائق الحياة مثل الميلاد .. كتب يوم ميلادك وكتب يوم أجلك يوم ولدت.
- - ولكن لماذا هو ؟؟؟
- - "وإذا جاء أجلهم لا يستاءخرون ساعة ولا يستقدمون" لست أكثر من رسول من رسل الله أرسل لكى يقضى اجل مكتوب من قبل ...
- - لماذا لم أكن أنا ؟
- - أجلك لم يأت بعد .... "لكل أجل كتاب" ...
- - ولماذا الموت والحياة ؟
- - خلق الله الموت والحياة ليبلوا الناس أيهم احسن عملاً .. "خلق الموت والحياة ليبلوكم آيكم احسن عملاً".
- - لا أريد هذا البلاء أو الاختبار ؟! ...
- - الأمانة والتكليف .. قبلها كل إنسان " إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولاً " ...
- - لا أريد كل هذا ... لا أريد هذه الحياة ... كفرت بكل شئ .... ؟
- - "أكفرت بالذى خلقك ثم سواك رجلاً " ...
- - "لا إله إلا الله محمد رسول الله . محمد رسول الله " .. لا لم أكفر ولكنى لا أستطيع أن أحيا بدونه ...
- - ألم يسميك وهو يقرأ سورة مريم .. ألم يجعلك تحمل اسم نبى ... ألم يعطك اسما ليس له سميا ألم يقل لك مرارا وتكرارا " سميتك يحيى لكى تحيا بالإيمان" ..
- - ولكنى آيس من هذه الحياة ...
- - أنت مؤمن بالله وبرسوله .... لذا لا مكان لليأس فى حياتك ابحث عن روح الله فى داخلك ... " إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون"
- رن فى أذنه صوت أذان الفجر .... تلفت حوله لم يجد أحداً .... وتذكر ذلك الحلم الذى مر به.. شُرح صدره واحتسب عند الله فقيده .... واستغفر ربه وقام ليتوضأ ويصلى ..
Sunday, January 10, 2010
مشروع التطوير
-
- عاد من الندوة مفكرا فى فلسفة المبادرات الخاصة ... عليه ان يبدأ بنفسه كما يقولون لن تفعل الحكومة كل شئ .. راعه منظر شارعه .. خط لنفسه حلولا لمشكلات الشارع سوف يجتمع مع شباب الشارع لكى يضعوا برنامجا للتشجير وآخر للنظافة لديه وقت طويل حتى يعرف نتيجة البعثة الدراسية ...
- كلم إمام وأيمن ويسرى الذي يسكنون من حوله .. وجد لديهم نفس الاستعداد .. أنهم جميعا شباب يحلمون بالتغيير .. تحدثوا فى المسجد مع بعض شباب آخرين يسكنون فى الشارع وجدوا لدى البعض الاستعداد ووجدوا لدى الآخرين عدمه ... خططوا أن يتقابلوا جميعا فى إحدى مراكز الشباب القريبة .. تم إخبار الجميع بالميعاد ..
- يوم الاجتماع وجد غير الشباب الذى اتفق معه الكثيرين عازمين على المشاركة . ولدهشته وجد ما يسمى بشيخ الحارة وممثل عن الحزب الحاكم .. ونواب المعارضة .. لم يكن يعرفهم إلا حينما قدموا أنفسهم
- وقد بدء ممثل حكومة الحزب بقوله :
- إن حكومة الحزب بفكرها الجديد تدعم المبادرات الخاصة ويسرها أن تترأس هذه اللجنة .....
- قاطعه مندوبي أحزاب المعارضة إن الحزب يريد أن يئد تجربة شارعنا .. أنه يريد أن يصيب مبادرتنا الخاصة بالسكتة...
- واستمر التراشق الكلامى عبثا حاول أن يعيد للجلسة اتزانها لكن لم يريد أن يدخل فى حوار الطرشان الذى بدء ولم يعرف كيف ينتهى ... لم يعرف كيف كانوا هم أصحاب المبادرة ...
- انتهى الحشد وفى النهاية ولم يتفق المجتمعون إلا على الاجتماع مرة ثانية لمناقشة جدول الأعمال ..
- حاول الاتفاق مع زملائه على أن يزرع كل منهم شجرة أمام باب منزله كانوا جميعاً محبطين وئدت الفكرة قبل أن تولد ...لم يتوانى عن التنفيذ وحيدا .... اشترى شجرة ووضعها أمام منزله .. سخر منه والده لتلك الخشبة الميتة التى ليس بها اى آثر للحياة .... أيام قليلة وظهرت براعمها الخضراء .. بدا زملائه يعودون حوله من جديد فى آخر صلاة للجمعة اتفق الجميع على أن يحذوا حذوه ...
- أيام قليلة وقبل أن يهنأ ببراعمه ماتت الشجرة .. رائحة جاز نفاذة وجدها .. يبدو أن أحدهم رواها به ...
- ظهرت نتيجة البعثة .. كان عليه أن يسافر خلال أيام .. لم يعرف لما تأخرت أوراق جواز سفره على غير العادة .. خلف الكواليس لم تكن قصته بسيطة "فالنار تأتى من مستصغر الشرر " كانت أجهزة الأمن تترقبه منذ بداية حواراته مع زملائه .. تم متابعة ملفه داخل الجامعة
- جاءت الإجابة من حرس الجامعة "الملف نظيف .. ليس له نشاطات سوى نشاطات ثقافية " ...
- لم تغفل عين الأمن الساهرة على حماية الوطن عنه ، جلوسه فى المسجد عقب صلاة الجمعة مع الشباب فى مثل سنه جعلته مصدر شك .. رفعت تقارير إلى المسئولين عن النشاط الدينى فى أمن الدولة .. ولدهشة الجميع وجدت ملفاته نظيفة .. تضمنت التقارير جميع أوقات التزامه بالصلوات لم يجدوه يلتزم بها فى المسجد .. تأشيرة المسئول عن النشاط الدينى جاءت تقول : معتدل التفكير غير متطرف ...
- الأمر ليس بالسهل هكذا قال المسئول الأمنى .. ربما يكون هذا الولد "حويط" ربما كان أحد اليساريين علينا متابعة نشاطه الثقافى ... حُول ملفه إلى مسئولى مكافحة النشاط الشيوعى فى أمن الدولة ...
- بهت المسئول عن متابعه ملفه لا يوجد شئ أيضا .. أضطر أسفا أن يسمح بمرور أوراقه والسماح له بالسفر مع تأشيرة سرية بمتابعة نشاطه فى الخارج. فحسه الامنى لم يخيب أبدا فى حماية الوطن ...
- مرت عليه فى البعثة .. بين الجد والعمل .. فرقت السبل بينه وبين أصدقائه فى الشارع ..........
- ولدهشته وصلت إلى عنوانه فى ألمانيا رسالة بظرف خاص يحمل اسم "لجنة التطوير" ودهش لأنه حينما سأل والده عندما ابلغه بإنذار الجامعة بفصله - عن أحوال الشارع .. تمتم له .. موش حتوه عنه كوم الزبالة على الشمال ..فى أوله وفى النص مكسر وقدام البيت نفس بركة الميه ..هم بفتح المظروف وجد رسالة معنونة باسم
- "لجنة تطوير وابور الميكرويف"
- وابور الطحين سابقاً
- الأخ الفاضل:
- لقد شاركتم فى البداية ويحق لكم ان تشاركونا الحصاد
- بعد عدة شهور من الاجتماعات واللجان المختصة ورغم كل المحاولات الآثمة لوقف مسيرة التطوير وبعد مناقشات امتدت لأكثر من جلسة .. أصبح أسم شارعكم العظيم الذى هو جزء من وطننا المفدى
- "شارع وابور الميكرويف"
- اختير الاسم بحيث يجمع بين الأصالة والمعاصرة لم تنجح موجات التغريب فى جعله شارع الميكرويف
- ولم تنجح الموجات السلفية فى الإبقاء على اسمه السابق
- اختيار بلدنا هو الوسطية دوما وأبداً
- وسوف نوافيكم بأهم التطورات من خلال نشراتنا اللاحقة .
أمين لجنة التطوير
ورئيس مجلس الإدارة
لواء دكتور مهندس / سيد المعالى
- طوى الورقة بعنف ألقى بها فى سلة المهملات ...
- استل قلما وكتب خطاباً للجامعة .. يفيدها باستقالته واعتذاره عن العودة إلى البلاد واستعداده لتحمل مصاريف بعثته .....
المشروع الأكثر نجاحاً
-
- المسألة لا تحتاج إلى عالم اقتصادى أو إلى خبير فى البورصة .. وحينما تسأل أى أحد فى مصر عن اكثر المشروعات نجاحاً يقول لك وهو ينظر إليك من علو كأنه خبير فى البنك الدولى "اشتغل فى الأكل والشرب" وليس أدل على ذاك النجاح ما حدث منذ عدة شهور حينما هاجمت "القوات الخاصة لوزارة التموين!!" أقصد البلدية أحد عربات الفول وفوجئ الجميع أن من يقف على "نصبة" الفول هو وكيل وزارة !
- وعلى هذا المنوال سوف تجد المشروع الأكثر نجاحا هذه الأيام هو مشروع "المقهى" أو " القهوة" كما ينطقها العامة.. أو " الكافيتيريا " حسب الثقافات الجديدة ...وهى مكان لشرب كل شئ من أول كوب الشاى حتى أقصى درجات المزاج العالى .
- ويترواح حجم المقهى من "نصبة" شاى على ناصية شارع أو طريق عام ومن حولها كرسيين إلى قهوة صغيرة "غرزة" .. أو إلى قهوة ذات حجم متوسط أو كافتيريا كبيرة هذا من حيث الحجم .
- و"القهاوى" تنتشر فى طول مصر وعرضها كسرطان متوحش ، ورواد المقاهى من كافة الطبقات والمستويات ، وكان رواد المقاهى فى الزمن الماضى من أرباب المعاشات لكن حدث تغير واضح تبعا للتطور الحاصل فى كافة أنحاء المجتمع فى مصر واصبح رواد المقاهى أكثرهم من الشباب يستوى فى ذلك الطلبة والعاطلون ربما أيضا العمال والفلاحين على نمط ممثلينا فى مجلس الشعب ...
- وتنمو فى كل ميدان فى مصر الزهور وزهور ميادين مصر غير الزهور الذى يعرفها العالم ... وسوف تجد اسم "زهرة الميدان" يعلوها وحوله العديد من الأضواء سوف تجد زهرة الميدان مزروعة بعدد من الكراسى تساهم وإعاقة حركة المرور داخل الميدان... وقد أتى الجميع لكى يشموا من الزهرة راوائح "المعسل" و "التفاح"...
- والمسألة ليس لها علاقة بالمدن فقط .. بل تعدتها إلى أقاصي القرى فى بر مصر كلاته .. حيث أصبح الفلاحون يقضون الليالى الطوال أمام نجم القهوة الجديد "الدش" وشعارهم أنسى "المش وخليك دايما منتعش مع الدش"...
- وسيبك بقى من الكلام القديم بتاع "الأرض لو عطشانة نرويها بدمانا" .. وسيب الأرض تبور يمكن تبقى مبانى ونكسب قرشين يخلونا نجيب "الدش" فى البيت وهو يبقى فى البيت والقهوة علشان نشوف البنات اللى زى لهطة القشطة ... "وبنات الدش اجمل من بنات المش"....
- وفضلا عن نجاح فكرة "القهوة" كمشروع ، فأنها تساهم فى حل مشاكل اقتصادية كبرى .. فهى الحل الأوحد لكل الشباب العاطل الذى ينتظر كمبيوتر الحكومة المصاب بفيروس البطالة -"مهنج"بلغة بتوع الكمبيوتر" – لكى يحل باقى مشاكل مصر .. والشاب كما يأخذ مصروفه من والده كما تعود أيام الدراسة لا فرق بين قبل التخرج أم بعده .. يذهب إلى هناك لكى يشم الدخان الأزرق ... ويندمج فى جميع الألعاب الرياضية الغير أوليمبية التى تبدأ من الكوتيشينة مرورا بالدومينو والطاولة وانتهاء بالشطرنج الذى له اوليمبياته الخاصة به...
- ولكل فريق تحيزاته داخل القهوة .. بتوع الشطرنج يقولك دى الرياضة الذهنية .. وللأسف فهو رياضة مفيدة لكن فى مصر المكان الوحيد الذى يلعب في جو الدخان الأزرق وجميع اللاعبين حتى فى نوادى الدرجة الأولى يمارسونه على القهوة .. رغم أنه فى الخارج تخصص له قاعات خاصة باسم اللاعبين الكبار ولا يتم فيها التدخين وجوها مثل جو المكتبات لا تجد صوت يعلو .. لكن شتان بين الخارج والداخل .. فالشطرنج المصرى يلعب مع تعليقات كل المشاهدين وتحليلاتهم .. والأسوأ أن يتم تخبيط القطع مع بعضها كأنك تلعب أى شئ آخر ......وهناك عدة مقاهى متخصصة فى لعبة الشطرنج فقط .. لكنها لا تفرق كثيرا عن أى مقهى آخر ...
- أما أصحاب الدومينو ... فيتحدثون عن اجمل الأوقات مع الحسابات .. دى اللعبة اللى ما يقدرش عليها إلا الأذكياء .. وبخاصة الأمريكانى منها ... ما هو كل حاجة بقت أمريكانى اليومين دول علشان الإصلاح ...
- أما نجوم القهوة الحقيقيين فهم أصحاب الطاولة ..... حيث الموسوعات الضخمة الذى يقرأها شبابنا فى فن لعبة الطاولة ... بداية من المعجم الضخم "البساط فى تحريك القشاط" ... والكتاب الذى احدث ضجة فى عالم الطاولة " القاعدة الملموسة فى العادة والمحبوسة"وهى مراجع مصرية أصيلة فى فن الطاولة لكن للأسف لا يعطون عليها جوائز عالمية .. وقد ساهم فن الطاولة فى إتقان المصريين والشباب بخاصة لقراءة الأرقام باللغة الفارسية لأن المستقبل فى اللغات ... "وأمسك فى اليك وعك"....
- والكوتيشينة ليست نجمة القهوة هذه الأيام وراحت أيام سيد درويش" فيك عشرة كوتشينة" لكنها تميل إلى التخصص فهى دائما موجودة فى "الغرز" مفردها "غرزة" وكما اسلفنا هى مقهى صغير فى القرى يكون من البوص وعيدان الجريد وفى العشوائيات يكون من الصفيح .. وفى العادة ينتهى دور "الكوتشينة" فى الغرزة بغزة مطوة لأى من اللاعبين المحترفين فى هذا الفن .. أو بخناقة لطيفة لا تلبث أن تقلب إلى هزار بسيط حينما يصل الباشا المعاون..
- ومساهمة من القهوجية فى دعم الشباب العاطل .. فأنهم يحصلون على تخفيضات خاصة لأنهم زبائن دائمين وتصل
- التخفيضات حتى إلى "البقشيش".
- وشعار العاطلون عن العمل أمام الطلبة "بكرة تيجى تكلمنى علشان أتوسط لك فى حجز كرسى دائم بجنبى على "القهوة" لما تتخرج "ومتلقي...فكرسيك مجرد كرسى غير دائم .. فهم يملكون حق الفيتو داخل القهوة فى اختيار اماكن جلوسهم المميزة.. لأن كرسيهم دائم ..
- واقتصاديا أيضا القهوة هى مكان لتجمع العمال قبل الذهاب إلى الأعمال فى كافة الأنحاء .. وهى فرصة جيدة لساعة اصطباحه هنية مع كباية شاى فى الخمسينة تعدل المزاج أو كوب شاى مع لبن حليب علشان متخرجش على لحم بطنك .. مع كرسى معسل "قص" مقصوص بمعرفة القهوجى أو معسل "زغلول" مرطب خصيصا للأسطى باشا... أو حبة شاى كشرى فى السريع ... ومعاك واحد شاى على بوستة علشان يعجب الاسطى ، وواحد شاى ميزة .. وصباحك عسل يا هندسة ...
- ومساهمة من "القهوة" فى حل المشاكل الاجتماعية فهى المكان المفضل لكل الأزواج الهاربين من الحوار مع زوجاتهم .. فهى تجعل الأزواج يسهرون الليالى فى الخارج حتى يكون دايما هناك شوق ، وعلى قد هذا الشوق يعود الزوج إلى سريره لينام ... فهى جسر التواصل مع الأهل والأحبة ومكان للهروب من وجود الحموات فى المنزل .. ومكان لتذكر - شباب الزوجة البائد فى وزحمة الأولاد – عبر متابعة الزوج آخر صيحات "النيولوك" فى الدش ...
- وهى ايضا فرصة لكل الشباب الذى يبحث عن عروسه فهى موقع متميز للنظر على الرايحة والجاية فالقهوة دوما تحتل أماكن استراتيجية يسهل منها السيطرة على حركة الفتيات والسيدات أيضاً... وقد يكون الأمر مجرد تفريج عن كروب الشباب الذى فاته قطار الزواج ولم يعد لديه غبر التطلع فى العابرات ...!!!
- وفضلا عن خبراء الألعاب الغير أوليمبية .. السالف ذكرها فالقهوة هى مكان التجمع لنخبة من خبراء مصر العظام فى كل المجالات بداية من خبراء السياسة الدولية ومرورا بخبراء الاستراتيجيات الكبرى والاقتصاد الدولى وعروجا على خبراء الفن وانتهاء بخبراء الرياضة الذين لهم السطوة الكبرى وبخاصة فى رياضة كرة القدم ولا يعنى ذلك أن خبراء الرياضات الأخرى غير موجودين لكنهم يظهرون فقط أيام الدورات الأوليمبية حيث يتخصصون فى الألعاب الجديدة دائما وبخاصة الألعاب النسائية مثل الجمباز .. والكرة الشاطئية .....
- وخبراء السياسة الدولية والاستراتيجيات يضعون مخطط للنظام العالمى الجديد ويعرفون كل شئ قبل حدوثه بداية من احداث 11 سبتمبر ونهاية بالمرشحين لانتخابات الرئاسة القادمة فى الولايات المتحدة .. وهم يفتون فى كل شئ استراتيجى بداية من السلاح وانتهاء بطبق الفول ...
- وخبراء الاقتصاد على القهوة يضعون لك الحل السريع لكل المشاكل الاقتصادية الدولية وبالطبع المشاكل الاقتصادية المصرية بداية من تسعير السولار وانتهاءاً باستيراد لحوم السودان ولا يفوتهم أن يناقشوك فى أبعاد قضية البترول على المستوى الدولى ....
- أما خبراء الفن فتخصصهم الأساسى هو نقد "الفيديو كليب" وهو نقد يختلف كثيرا عن أى من النقاد العاديين .. لأنهم ينقدون بفلسفة عميقة تشرح تضاريس بطلة "الفيديو كليب" فهى تدرس جغرافية مكوراتها ومدوراتها وتتابع حركة كل بوصة فى الفنانة وتقدمها مع الوصف التفصيلى .. وقد تفوقت تلك الحركة النقدية تاريخيا عن وصف مصر وجغرافيا عن جمال حمدان فى شخصية مصر ...
- أما خبراء الرياضة فهم سيصلون بمصر إلى العالمية رياضيا على كافة المستويات لو تم متابعة نصائحهم جيداً ويكسبون كأس العالم وهم جالسون فى أماكنهم ويستطيعون تحليل كافة النشاطات الرياضية .. سواء المحلية أو الإقليمية أو الدولية....
- وللإيمان العميق بنصف المجتمع فقد ظهرت الفتيات والسيدات على القهوة وبدأن فى تقليد الرجال ... فى أسوء شئ وهو تدخين الشيشة ولم يفت نجمنا الشعبى "شعبان عبد الرحيم" أن يحذر الفتيات والسيدات "الشيشة يا بنتى خطيرة" !!! .. وتحترف السيدات شد الأنفاس من "اللى" كتقليد للرجال !!!
- كما أن القهوة أصبحت أيضا مكان لعقد الصفقات الكبرى بين رجال الأعمال الكبار وتشتهر فى ذلك عدة مقاهى بأنها تجمع هؤلاء وبخاصة فى منطقة المهندسين ... وقد نقلت بعض الفنادق وخيم رمضان أفكار القهوة لتقدم المزاج العالى لروادها ..كذلك بعض الكازينوهات السياحية النيلية ...
- والعالم الخاص للقهوة يصنع ثقافة الصوت العالى فى بر مصر .. فلكى تسمع صديقك عليك أن تعلى صوتك على آخر طبقة ... أما خبط قطع الشطرنج وقرقعة قواشيط الطاولة والدومينو وحتى الكوتشينة يكن لها صوت أيضا...
Tuesday, January 5, 2010
الحرية على الطريقة المصرية
- فى إحدى برامج التليفزيون المصرى وقف المذيع متفاخرا وهو يستمع إلى تعليق أحد الأجانب وهو يقول : الشارع المصرى هو أكبر دليل على حرية التعبير والديموقراطية فى مصر !... واستطرد قائلا أن الجميع فى شوارع مصر يتوجهون صوب اليمين واليسار بلا أى مشاكل ودون توجيه إنذار أو إشارة أنهم يمارسون الحرية فى أبهى صورها بالطبع كان صديقنا الأجنبى يقصد حالة الفوضى المرورية الموجودة فى مصر .
- ولو تأملنا حال الشارع المصرى فسوف نجد صدق حديث الرجل ، ولن يخفى علينا أننا فى مصر لا نحتاج إلى أى برامج للإصلاح السياسى ، فلدينا العديد من الأحزاب ذات التوجهات الثورية والاشتراكية بل والرأسمالية تعزف ملحمة الديمقراطية المصرية التى يجب علينا أن نفكر فى تصديرها لشعوب الأرض كلها ، بل يجب علينا أن نضع تلك البرامج فى كبسولات إصلاحية لفرضها على بقية شعوب الأرض على الطريقة الأمريكية ..
- وكقارئ فى الواقع المصرى أود أن أعرض عليكم قائمة بالتوجهات الحزبية الأكثر تأثيرا فى الشارع المصرى :
- وسوف أبدأ لكم بالتيار الكاسح الذى له شعبية وقوة وتأثير فى الواقع المصرى ألا وهو حزب الميكروباص - تنطق "ميكروباز" فى الأدبيات الشعبية المصرية – وهذا الحزب ذو توجه ثورى شعبوى قيادى فى الشارع المصرى ، أتخذ منذ إنشاءه شعاراً ضخما يردده كافة سائقيه " ربع جنيه على الأرض لمه وبسرعة" ولا يدخر رجال الحزب أن يطبقوا الشعار بحذافيره وبالطبع المقصود "بالربع جنيه على الأرض " ذلك "الزبون الحائر الطائر" الذى يقف سواء يمين الطريق أو يساره المهم إنك "تلم النعمة من على الأرض" قبل غيرك ، ومع عداد السرعات الذى يتجاوز المئة دوما تجد عضو الحزب النشط مشغول بعد كام ربع جنيه فاضل على فلوس القسط الشهرى ، ودعما لهذا الحزب يقف الجميع احتراماً له من الأحزاب الأخرى ، والمواطنين الشرفاء يستمتعون أيما استمتاع بالمساعدة فى إثبات قوة الحزب حينما يطلبوا من السائق التوقف فى اى مكان وتحت أى ظرف مطلع كوبرى او منزله أو حتى فوق الكوبرى محطات معروفة صنعها "عفاريت الأسفلت" –على رأى مخرجنا هانى - بعرق وكد وكفاح استحقوا عن جدارة لقب حزب الشعب الأول وتخشى الحكومة سطوتهم وتعمل لهم ألف حساب وديتها إيه يعنى " بريزة كبيرة " لأى مخالفة تتقطع ورقة المخالفة ، وتدور العدادات مرة أخرى ، ورغم الخلافات على الأجرة فسوف يبقى ذلك الحزب فى المقدمة مسيطراً على عقول وألباب الجماهير وخاصة عندما تتتغير الأجرة من الصباح أو المساء ، والعضو الحزبى لا يألوا جهداً فى الدفاع عن مبادئه الحزبية خاصة فى الأجرة حينما تنتهى أى مناقشة سواء "بخلى عليك خالص يا بيه" أو " بذمتك يا هندسة " بقى الكام "غرزة" دول ما يستهلوش خمسة وسبعين قرش احكم انت بقى" أو نجد احد الرفاق من المساعدين - فى الغالب تجد نصفه متدلى فى الطريق – ينظر إليك شظراً ، أو يتبعك باللعنات وسيل من السباب والعبارة الشهيرة " يا باشا البهوية ليها ثمن "...ويا ويلك إذا كنت تستخدم العملات الورقية من فئة الخمسة قروش والعشرة قروش ....
- ويدعم الحزب المسيرة الفنية فى الشارع المصرى وخرجت منه إبداعات عظيمة مثل " من يوميها يا ناس خلاص قلبى حب الميكروباز" ، و " راحت خلاص أيام الست وبقينا فى عصر الإنترنت" .. والمعارك الفكرية حول " إذا كان احمد حلمى أتجوز عايدة " أم أن " شعبان بيقول إشاعات احمد حلمى وعايدة أخوات" ...والبقية تأتى فمسيرة التجريب "الميكروبازى" على أشدها .
- بل وتخطى الأمر أن تفتح " الميركوبازات " منبراً للتوجهات الدينية المتطرفة وتعرض شيوخ الصرخات الذين يهددونك بالترهيب وبالويل والثبور وعظائم الأمور !!
- ولا ينافسه فى هذا إلا الحزب ذو السطوة الكبرى فى الشارع المصرى ألا وهو "حزب الهيئة" وهذا الحزب له جماهير تقترب من الخمسة ملايين يوميا ورغم هذه القاعدة الشعبية فالحزب لا يستطيع أن يغطى نفقاته بل تضطر الحكومة أن تدعمه بعدة مئات من الملايين كل عام !!!
- وشعار الحزب هو " الكبير كبير والنص نص والصغير ما نعرفوش" ويطبق هذا الشعار بقوة وسطوة الحزب على الطريق مدعوما بقوة الميرى التى تجعل من يفكر فى الاقتراب يقع تحت سطوة " اللى يفوت يموت" وديناصوراته تزحف فى الطرقات بشراسة تهدد وتتوعد كل من تسول له نفسه التفكير فى التخطى !!!
- لكن أهم ما يميز ذلك الحزب أنه لم يسمح لرفاقه بالتدلى فى الشارع بل استبدل تدلى الرفاق بتدلى أفراد الشعب العامل كلهم ، وشعار المرحلة كان " علبة السردين تسع الجميع ... " والرفاق من " الكمسارية " يرددون دوما "خطوة قدام العربية فاضية " وطبعا لأن أفراد الشعب لا يرون ذلك الأفق السرمدى الذى يتحدث عنه الرفيق الذى يسع العديد والمزيد دوما من أفراد الشعب.
- وما يحكم الأفق السرمدى للرفاق داخل الحزب هو شعار بسيط جدا وصحى أيضا " نحن نوفر الدفء فى الشتاء من خلال الزحام ولو تحدثنا عن قيظ الصيف فهم يقدمون أرخص "سونا" فى العالم .. فى الحقيقة لا أعرف لما التهكم على تلك التوجهات التى وفرت كل الحلول ، حتى ما يقوله البعض عن أن التزاحم يسبب انتشار الأمراض فهو محض هراء إذا نظر إليه من خلال المشاركة فإن كان أخوك مريض فيجب أن تشاركه آلامه وأمراضه .
- والرفاق من المساعدين فى الحزب لا يدخرون وسعا فى رفع المعاناة عن المرأة العاملة بخاصة وتسمع شعار " كعب عالى حاسب جامد ورا " أو تجد الرفيق يترك مكانه للمرأة العاملة تخفيفاً عن كاهلها ، أو تجد السائق يقف دوما فى نفس الميعاد صباحاً لا يتحرك رغم صرخات الجماهير عن مواعيد العمل الذى تأخروا عنها ، لكن طبعا "السنيورة " من المرأة العاملة فيجب أن يتم الانتظار...ولا يجب أن ننظر إلى ذلك إلا من خلال إيمان كل كوادر الحزب بنصف المجتمع الذى يجب أن يأخذ حقه فى الحياة !!
- وقد ظهرت تيارات متعددة داخل ذلك الحزب ونمو تيارات جديدة على يمين الحزب بدأت ظهورها فى أواخر الثمانينات حينما ظهر التوجه اليمينى الخاص " بالمينى باص " وأصبح الرفاق داخله ينافسون حزب " الميكروباز" فى عد الأجرة ،وحافظ السائقون فى البداية على سعة السيارة الرسمية لكن القوى القديمة داخل الحزب رفعت شعار اغنية عبد الحليم الشهيرة " على رأس بستان الاشتراكية واقفين بنهندس على الميه " وعادت مصارين " المينى باص" تلقى بالزبائن من الأبواب وتنافس الديناصورات الكبرى من الأتوبيسات ...
- ورغم التوجه الاشتراكى داخل "حزب الهيئة" فإنها سمحت للقوى الرأسمالية الوطنية بالتواجد داخل الأتوبيسات لخدمة أبناء الشعب " وامشاط وفليات للبيع " و " تعلم الإنجليزية فى سبع أيام" ووجد الكثير من العاملين من السريحة مكانهم داخل الأتوبيس يسمح لهم الرفاق بالركوب مجاناً لعرض البضاعة "الصينية" فى أغلب الأحوال وليست الوطنية ربما إيمانا بالاشتراكية الصينية .. أو دعما لها !!!
- ويتنافس البائعون فى عرض أفضل ما لديهم من تخفيضات وتسمع عبارات مثل " ونظرا للحالة الاقتصادية فى العربية العشرة شربات بجنيه !!! " أو " أجيب شراب على البطاقة ، طيب أجيب شراب على ما تفرج " توجهات تمس نبض الجماهير ... " ولا استغلال المحلات " ... عروض ضخمة تنافس اكبر مهرجانات التسوق فى العالم !!
- ودور الحزب الاجتماعى قائم ولا يتجزأ حيث تعرض منابر الحزب يومياً مشاكل المواطنين " الغلابة " أصحاب المواجع " اللى بتجرى على لقمة العيش لأخواتها السبعة ويجب مساعدتها بدلاً من الانحراف " و محترفى " العجز " الذين تجدهم ينافسون أعظم أبطال العالم فى الجرى حينما تظهر شرطة المواصلات .. وبالطبع هذا دعما للمسيرة الرياضية الذى يتبناها الحزب بقوة ... فالحزب يوفر للمواطنين تدريبات على القفز أثناء التحرك فى الملفات أو اللحاق بالرفاق خلال الجرى والقفز ، أو مهارة عبور الموانع من خلال توقف الأتوبيس على يسار المحطة حتى يضطر المواطنين إلى عبور نهر الطريق للحاق به ، ولو انتبهت وزارة الشباب والرياضة بعد أن يخرجها الله من محنة " الزيرو" إلى قوة التدريبات التى يجريها الحزب للمواطنين لتمكنا من الفوز بكل الميداليات "الصفيح" فى الدورات الأوليمبية القادمة ..!!
- ولقد عاد يمين الحزب للظهور مرة ثانية ولكن بقوة بعد ما أسس كوادر كبرى يتزعمها "الأتوبيس المكيف" ورفع شعار " إذا كان الأمريكان لديهم ال سى أى أيه فلدينا السى تي أيه " ورغم كل الإشاعات المغرضة التى أثرها البعض عن " الأتوبيس المكيف " فقد ظلت جماهيره تزداد !!!
- وواصل المد اليمينى داخل الحزب سطوته فى إطار عدد من المشروعات التى تم تنفيذها بالتعاون مع القطاع الخاص ربما إتجاه تعاونى .....
- وظهرت التوجهات البيئية للحزب حينما تزعم حملات "الشكمان العالى" الذى حاول بعض المغرضون الوقف منها واتهموها بأنها السبب فى السحابة السوداء ؟؟ ولكن المسيرة البيئية لم تتوقف وظهرت سيارات الغاز إيمانا من الحزب بأهمية البيئية فى العالم اليوم ، وأصبحت ترفع شعار الأتوبيس الأخضر.
- وإذا كنا أسرفنا فى الحديث عن حزب " الهيئة" فلا يجب علينا أن نغفل حزب له دوره فى الشارع المصرى وهو " حزب البنديرة" ورغم اسم الحزب فالبنديرة لا تعمل .. والمقاولة هى التى تحكم ويجب " تقليب الزبون" خاصة إذا كانت أسرة ... وهذا الحزب يهدف إلى جر الزبون إلى معركة دائمة حول ثمن البنديرة حيث أنتجت روايات عديدة عنوانها " معركة البنديرة " و " ونتقاول " وقصائد يتغنى بها الرفاق " البنديرة مبتأكلش عيش " وقد تقلص دور الحزب فى الشارع المصرى رغم زيادة أعداده... لكن شعار "الفوطة الصفراء " اختفى وذلك بفضل ضغوط حزب "الميكروباص " ، ولم يتوانى الحزب عن دعم المسيرة الفنية ايضا فلا ينسى أحد إبداعات السبعينات " وزحمة يا دنيا زحمة !!!" ولو البنديرة مكنتش على المزاج تبقى " زحمة ولا عدش رحمة" ..ودعمت الثقافة الشعبية بكثير من الموروثات الأدبية على خلفية السيارات مثل " يا تهدى يا تعدى " و متبصليش بعين راضية بص للمدفوع فيا "
- وقد ظهرت أحزاب " تحت الأرض " فى الشارع المصرى وتحصل على تأييد من الجماهير يقارب ثلاثة ملايين يومياًً !!! واكتسحت بفضل الكفاءة التى أثبتتها فى دقة المواعيد والنظافة ولأنها راقبت عيوب "حزب الهيئة " و تجاهلت تعاليمه ومنعت التدخين وأدخلت سيادة القانون وأصبح المصريون تحت الأرض أكثر انضباطا من فوقه ولكن الخوف أن بعض الإهمال بدأ يتسرب إلى كوادر الحزب تحت الأرض ويبدو أن بعض الجراثيم الفوقية بدأت تظهر فى الأسفل فى سلوك البعض من تخطى الماكينات وأيضا فى سلوك الهيئة القومية للأنفاق فى رفع السعر حسب الموضة وفى غلق التكييفات لتجربة طريقة حزب "الهيئة" فى "السونا" الرخيصة ، ولا ننسى كيف أن المسيرة الفنية التجديدية "للميكروباز " قد غنت لمترو الأنفاق وقالت "لما الجو احلو وراق رقصت أنا مترو الأنفاق " حيث أن الحزبين يشتركوا فى دعم كل منهما للأخر وتجد أن الشقق تباع على أطراف القاهرة بعبارة موجزة يقولها السماسرة تمثل اعظم اندماج حزبى فى التاريخ السياسى الحديث : " تركب ميكروباز ربع ساعة تبقى فى محطة المترو وتلت ساعة تبقى فى وسط البلد ، يعنى ساكن فى وسط البلد !! " مسيرة عظيمة من الاندماج بين حزب يعمل تحت الأرض وأخر فوقه تقدم أحدث وسيلة لأبتلاع مزيد من الأفدنة الزراعية حول القاهرة ، وتسهم فى تكبير الرأس الكاسح لمصر " القاهرة" كما قال جمال حمدان قبل ثلاثين عام عن حال القاهرة وبقية محافظات الجمهورية " رأس كاسح وجسد كسيح "...
- وليست هذه فقط هى الخريطة الكاملة للقوى الحزبية الشعبية فى الشارع المصرى بل هناك بعض القوى الحزبية الأقل عددا ولكن ربما أعلى صوتا وتأثيراً فى بعض الحالات ومنها الأحزاب الرأسمالية التى تترواح بين أقصى اليمين حيث " أولاد الذوات" أصحاب شعار " أنت ما تعرفش أنت بتكلم مين " و يمين الوسط من" الطبقة المتوسطة المطحونة" أصحاب شعارات " عفواً السيارة فى التليين" ، وقدم تم وصف سيارات فئة الذوات منذ منتصف السبعينات وحتى الأن " بين التمساحة والخنزيرة حينما بدء عصر الانفتاح وانتهت بالشبح والعيون فى التسعينات وبداية الألفية الجديدة " و لم ينسى الموروث الشعبى أن يتحدث عن سيارات الفقراء والمساكين " بدءاً من القردة وانتهاءاً بالعصفورة" ولا ننسى أصحاب المناصب بسيارات الحراسة ذات الدفع الرباعى التى قامت حكومة "د.نظيف " بالتوجيه نحو إلغاءها مواكبها ، بعد أن أحست بسخط كل القوى الشعبية منها ... وإذا كنا تحدثنا عن سيارات الحكومة فلا ننسى أن نتحدث عن السيارات الحكومية التى تجوب شوارع القاهرة لشراء لوازم البيت لوكلاء الوزارة !
- ولدينا فئة ربما لا تأخذ حقها من الأضواء لأنها تعشق " الليل وأخره " ولا تدخل القاهرة كثيرا هذه الأيام وشعار الليل هو " أمشى وأنت نايم " أو على الأقل " مونون " وطبعا لأنهم لا يخشون الطريق لأن من يقترب منهم فى الغالب لا يشعرون به الا تحت "الدبل" وهو حزب مؤثر جدا فى نسب الحوادث الدموية فى مصر "حزب التريللا " وبالطبع يكفى الاسم فخرا ً أن ينطق دون أن نذكر مثالبه ومفاخره العظيمة.
- هذا مجرد تشريح بسيط للقوى السياسية داخل الشارع المصرى ، وكما يتضح منه أن صديقنا الأجنبى لم يكذب حينما تحدث عن الديمقراطية المصرية ، التى تجمع بين أنياب الميكروباص وديناصورات الهيئة والمدفنون تحت الأرض القادمون بقوة على الساحة والرأسماليون الكبار أصحاب العيون الجريئة ...
- يتبقى لنا مزيد من الإيمان بالتجربة الديمقراطية المصرية ونقلها إلى العالمية حيث تحتاج إلى نوعية جديدة من الكتب السياسية على نمط "الكتاب الفوشيا " الذى ربما يجمع كل القواعد الذهبية المرورية التى تبدأ من شعارات "ابو مروة الغلبان " حتى " سيبونى فى حالى أنا بأجرى على أيتام" والتى ترد على كل نظريات ماركس وانجلز ، بل وتطبق مقولة أدم سميث " دعه يعمل دعه يمر " بفلسفة جديدة " دعه يمر سيبه يجرى" وتحبط الطريق الثالث بتقديمها الحل بفلسفة "الطريق العكسى ".
- إمضاء : مواطن حيران بين "الهيئة والميكروباز"
Subscribe to:
Posts (Atom)