- يبدو أن ارتباط الإنسان بأصله الأرضى هو ما يجعل المرء يرى بزوغ نبتة فى الأرض شيئا سحريا،واعتقد أن جيلى بلا استثناء والأجيال التى قبلنا استمتعت بهذا الأمر فى بذور الحلبة التى كنا نجرب زراعتها فى القطن فى كوب صغير ونراها وهى تنمو ونشعر بأنفسنا قد اصبحنا احد الفلاحين الذين نقرأ عنهم فى المدرسة وتصبح تلك النبتات الصغيرات جدا سحرية وهى تتقدم رافعه نفسها وتكبر وتحس بنفسك تصنع حياة جديدة ، وفى الواقع لقد بدأت هذه اللعبة مع الحلبة ثم كان لنا منزل احد اقرابنا تلك المنازل القديمة الذى كان يتكلم عنها حسن فتحى فى احدى المرات حينما قال أن المنزل الذى لا يحتوى على جنينة لا يصلح أن نربى به طفلا! وقد كنت ازرع فى فى جانب من الحائط فى بعض البلاطات المخلوعة من الارض والتى تجعل التربة ظاهرة الذرة واتابعها يوميا !
- ثم اصبح الأمر هواية خاصة مع الاسرة حيث كنا نزرع الريحان وبعد النعناع الذى هو يزرع بكل بساطة بدفن جزء من عيدان النعناع التى تحتوى على بعض الجذور وكنا نحصل عليها من حديقة احد اقاربنا فى البلد ايضا ، وقد كنت اقضى وقتا طويلا بجوار تلك الحديقة الصغيرة جدا فى بلكونة منزلنا المتواضعة اقرأ الجريدة بجوارها حينما اعود من المدرسة كل يوم واطمئن على الزرع واتابع تلك اللبلابة واتأملها واتصورنى فى ذلك الوقت وانا احس بها وهي تتحرك من كثرة ما تأملتها !
- وربما الطرفة اننا كبرنا تلك الحديقة البسيطة لأن اخواتى كانت لديهم الهواية بشكل اكبر وزرعنا بعض الريحان ولما كانت العصافير تهاجم تلك الحديقة الصغيرة صنعنا خيال مآته من قميص قديم وعصا وكانت النكتة ان سئلت والدتى من احدى الجارات فى السوق أذا كنا نضع اعلانا اننا نفصل الملابس !
- وبعض أن رفعنا ذلك الاعلان بالطبع هجمت العصافير على فول زرعناه حينما ظهرت اول نواره وكان شكلها رائعا مع احساسك انك ترى تلك النبتة تتحول إلى تلك الزهرة الجميلة وهجمت العصافير هجمة رجل واحد ووجدنا الأصيص عبارة عن عيدان واقفة دون ورق ، وحاونا مع ما كنا نسمية شجرة النجاح واعتقد ان لها اسم علمى آخر لكنها عبارة عن شجرة ورقتها من جهة فضية ومن الجهة الأخرى المقابلة للشمس خضراء لذلك كان يطلق عليها ورقة النجاح ولم تكلل تلك التجربة بالنجاح ، وحينما استمريت وحدى فى المنزل جربت زراعة البطاطس واعتقد أن شكل المجموع الخضرى لها رائعا.
- وربما لتلك المحاولات الطفولية والشبابية مع الزرع أنا اعشق ما تكتبه رضوى عاشور عن الزرع فى اكثر من رواية وكيف أنها تقضى وقت مع تأمله وقد كنت افعل ذلك كثيرا ربما حينما نقرأ نحن نحاول أن نقرأ انفسنا فى صفحات او نبحث عن من يشبهوننا واعتقد ان عشرين عاما فى جامعة القاهرة كنت شبه يوميا اتطلع إلى نخلات الجامعة واتذكر نخل الجامعة التى كتبت عنها مع بطلتها شجر .. حتى اسمها يبدو مثل نبتة.
- ترى كم نبتة زرعناها فى حياتنا ووارت الثرى وكم نبتة بقيت .. كنت دوما فى عملى اتحدث عن الحديث المنسوب للنبى عن الفسيلة التى عليك ان تزرعها حتى لو الساعة قائمة وكان احدهم يقول ان هذا الأمر خاص بالزرع فقط ! وانه لا يطبق على بقية انشطة الحياة!
- تبقى النبتة تتحدى الثرى وتصعد لتصنع حياة حتى لو خرجت منها سنابلها وتعيش بشكل جديد فى سنبلة او فى حبة او حتى تتحول إلى طحين والطحين يبقى طعاما ثم نخرج الطعام إلى سباخ للأرض وهكذا النبتات الصغيرة لا تموت ابدا بل تصنع دوما حياة جديدة كل يوم.
Tuesday, August 14, 2018
نبتة
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment