رآها
من بعيد تقف .. فى واقع الأمر لم يكن يتذكر أى لون تقصد بكلمة "purple"... .. ركن السيارة فكر فى أن يذهب لكى يحدثها .. تصور ماذا
لو لم تكن هى ... قرر أن يطلبها على الموبايل .. أقترب منها وهى تفتح الشنطة لترد
عليه .... وهى مشغولة بالرد على الموبايل . أوقف الطلب .. حاولت أن تطلبه .. أحست باقتراب
أحد منها ... رفعت عينيها ..
-
مد يده مصافحا ..
أهلا مدام ندى ...
-
كانت مترددة وهى تمد
يدها ... أستاذ طارق ..؟
أقصر
منه قليلا كانت ... بدد إحساسها بالخوف من أن تكون ممتلئة فمن الممكن وصفه بأنه
بدين قليلا.. ابتسامات بسيطة تبادلها .. كانت البداية صعبة .. ظلا واقفين .. لا
يعرفان ماذا يفعلان ...
-
كان عليه أن يأخذ
زمام المبادرة ..عربيتى هناك ... ممكن نروح بيها البنك ...
=
آسفة .. ممكن أخذ تاكسى .. ..وفيه مترو قريب من هنا لحد البنك ..
-
خلاص نركب العربية
لحد المترو ..
= لا ...
-
اوك ..
= أنت كمان عندك أزمة هوية ..
بددت
هذه الدعابة جو الجفوة بينهما .. فقال لها : أيه رأيك لو نشوف مكان نقعد فيه شوية
.. وبعدين نروح البنك ... قالها وهو متردد من
أن يجابه هذا الاقتراح بالرفض أيضا..
لكنها
وافقت .. مما جعله لا يصدق .. ويعيد كلامه ليتأكد من صدق ما سمعه .....
=
فقالت مؤكدة : أيوه أوك ... لازم تسمعها
بأزمة الهوية ..
-
لم يملك سوى الابتسام .. وأردف قائلا : استغنى عن حكاية أزمة الهوية لأنها واضح أنها
مشتركة...
= قاطعته ناظره إليه من فوق نظارتها الشمسية التى انزلقت قليلا...
لا ... تتنازل لأنك بتاع شعارات ..لأن أصل الحكاية عندك هو أزمة شعارات ..
-
خلاص نسبنا من
الأزمات ونحاول نشوف مكان نقعد فيه .. أنا فى الحقيقية موش عارف المنطقة كويس..
= فيه كوفى شوب هنا كويس
وسعره مهاود ..
-
من فين .. ؟
= تقريبا يعنى تالت شارع شمال ... من هنا ...ممكن نمشيها بسهولة
...
-
أفزعته النغمة
الساخرة فى حديثها وظن أنه اختار البداية الخطأ ... أسف كنت فاكر انك مبسوطة من
كلامى ...
=
ومين قال إنى موش مبسوطة .. بالعكس أنا عجبانى المعلومات اللى بتقولها عن المكان
..
وكانا
قد وصلا إلى الكافيتريا .. .. كانت مجموعة من الموائد متراصة وحولها الكراسى من
خشب البامبو ، استقبلهم الجرسون بالتحية :
-
تتفضلوا يا فندم
تحبوا تقعدوا فى الخارج ولا فى الداخل..
-
لم يكن لديه خبرة
كبيرة بالمكان التفت إليها قائلا : تحبى نقعد فين .....؟
= ردت خلينا فى الخارج ..
-
واضح أنك عندك خبرة
بالمكان كويس ، بس أنا موش بحب أفطر.
= وأنت واضح أنك بتحب مصر الجديدة ...
-
يعنى شكل التخطيط
المعمارى بتاعها عجبنى جداً ... كمان ومن وأنا صغير لي ذكريات لطيفة جداً فيها..
=
أيه الذكريات دى ...؟
-
لى واحد قريب ساكن
هنا فى الميرغنى أولاده عيد ميلادهم فى نفس شهر عيد ميلادى .. دايما كنا بنعمل
أعياد الميلاد دى ليلة رأس السنة .... وأنا صغير كنت بحب أوى كمان فسحة المترو
والهزة بتاعته ... يعنى تقدرى تقولى أنها ذكريات طفولية ..
= يعنى عيد ميلادك فى شهر 12 ؟
-
أيوه .. 19/12 /1979
= كويس إن الذكريات دى موش مرتبطة بالبارون إمبان .. أنا حسيت من كلامك
عنه أنه كان جدك الأكبر .. احنا كان لينا شقة فى الميرغنى زمان ..
-
المهم انتى عيد
ميلادك أمتى ؟.
= 24/12/1971.
-
يبقى أنا كده أكبر
منك ؟
= أزاى يا أستاذ زمانك ؟!
-
موش أنا 19/12 ..
يعنى مولود قبل منك 5 أيام ...أعرف أكتر منك بخمس سنين
= يا سلام على الحسابات .. أنت أستاذ فى هدم كل النظريات والحسابات
والقواعد ... موش ممكن تكون كلية هندسة ...وقلى بقى على حكاية أختك اللى من
الرضاعة ...
-
أنا تقريبا قلت لك كل
حاجة .. مريم دى اختى الصغيرة فعلا وأنتى بقيتى أختى الصغيرة التانية ..
= أنا برضه صغيره ... .. ده أنت .. ...
-
أكمل كلمتها .. أنا
النونو موش كده ..
= لا... أنت ( young man ) ...............
-
لم يتمالك نفسه من
الضحك على وصفها .. واستمرت هى فى الضحك حتى وصل الجرسون يحمل القهوة .......
ومر
الوقت دون أن يشعرا .. تجاوز أضعاف النصف ساعة المحددة بأكثر من خمس مرات وهم فى
حوار متواصل لا يقطعه ألا صوت ضحكاتهما ...أو حضور الجرسون مرات عدة لتلبية
رغباتهم .... وحينما همت بالنظر إلى ساعتها .. وقد تجاوزت الثانية عشر ...قالت
معلقة :
=
لازم أمشى علشان ألحق البنك ..
-
أسمحى لى أوصلك ..
بالعربية ..
=
قلت لا .... المترو علشان أجرب فكرتك عن
هزة المترو ... وإن كان يفكرنى بأيام
الشباب لما كنت لسه طالبة فى المدرسة الثانوى .. كنت أنا ونادية بنركبه سوا ...
-
نادية غريمتى ....
= غريمتك ؟!!!!
-
يعنى .. صحبتك
الأنتيم ... قالها وهو ضاغطا على حروفه ...
= فردت قائلة .. أيوه كده ..
-
طيب تسمحي لى أجى
معاكى بالمترو ..
= أوك ... بس النص ساعة خلصت من زمان ....!!!
-
نمد الميعاد نص ساعة
كمان .. واشار إلى الجرسون كى يدفع الحساب
.. ...
قاما
معا ... وعلقت قائلة : .. المفروض أدفع حسابى ..
-
نظر إليها غير مصدق
ما تقول .. أنتى بتقولى أيه ؟!!!
=
ايوه كل واحد لازم يدفع حسابه ....
-
شوفى أنا مؤمن بدور
المرأة والمساواة وكل الحقوق بس .. ألا فى دى حاولى تنسى ..
= طبعا لأن أيمانك بكل ده
زى أيمانك بقواعدنا .. مجرد شعارات ...
-
صدقينى المسألة موش
مسألة شعارات دى أول مرة لينا مع بعض ....
= قاطعته بحدة يعنى لازم حضرتك تثبت انك سى السيد ، بس يكون فى
علمك أنا موش أمينة
-
يا ستى القضية موش أمينة
ولا سى السيد ، المسألة إننا فى مجتمع له قواعد يجب مجاراتها يعنى حضرتك تصورى مدى
حرجى أمام الجرسون ...
= موش قلت لك شعارات ...
-
مشيها شعارات المرة
دى ، وحينما وصل الجرسون دفع الحساب سريعا وهو يتهرب من النظر إليها
سارا
معا صامتين ، أرادت أن تفتح الحوار مرة ثانية وقالت يبدو إننا مختلفين فى كثير يمكن
بسبب عامل السن ....قاطعها الأمور ابسط مما تتصوري ، تجاوزي عن هذه الأشياء البسيطة
... وياريت تسمعي الكلام ونأخذ العربية ...
=
اسمع الكلام .... ؟ علقت مقتضبة
-
أٍسف لم أكن اقصد ...
= لم تجعله يكمل : أستاذ
طارق واضح إننى غلطت لما وافقت على المقابلة ...اعتقد أن المقابلة انتهت عند هذا
الحد ....
-
أنا أسف جدا لم اقصد أرجو
ان تقبلى اعتذاري لم أكن اقصد تماما معنى الكلمة .. قال كلمته وفى عينيه نظرة رجاء
إلى وجهها ...
= التفتت إليه ..... اوك ..
عادا
إلى لغة الصمت من جديد ....... وصلا إلى محطة المترو .. كان لا يعرف كيف سيركبون
معا فى زحام المواصلات ، لم يكن قلقا على نفسه بقدر ما كان قلقا عليها ، أما هى
فقد بدأت تعيد حساباتها ولماذا أقدمت على تلك المقابلة .......ولحسن حظه جاء قطار
المترو خاليا ، وتذكر ان تلك الساعة لا تمثل اى ضغوط فى المواصلات ... ركبا معا
وجلسا متقابلان بجوار النافذة ، ظلت تحملق فى خارج القطار بينما هو ظل يتحسس
بعينيه تقاطيع وجهها .. وحينما التفتت إليه لم يدر ما يقول وهرب بعينيه سريعا إلى
خارج النافذة ... ثم أردف قائلا أية محطة سوف ننزل بها ....
=
المحطة القادمة إن شاء الله ...
وحينما
وصلا إلى البنك استأذنته فى البقاء خارجه لأن الموظفين يعرفونها .. وقف يتأمل فى
المارة حتى أنهت الإجراءات بسرعة إلا أن
الوقت مر عليه كأنه دهر ...
توقفت
عند احد الباعة امام البنك تشترى بعض الأقلام ... حاول جاهداً ان يدفع الحساب ،
ادرك بسهولة انه سوف يفشل حيث وجدها تتحدث مع البائع حديثا وديا ، وقد شيعها
البائع بالدعوات ...
-
عم محمد يمكن من ساعة
ما والدتى بتقبض المعاش من هنا وهو يعرفنى كويس ...
لم
يجد ما يقوله .. والتزم الصمت .. على محاولة الدفع الفاشلة ...
واخترقت
جدار الصمت مرة ثانية ... أعتقد كده النص ساعة خلصت من زمن بعيد ....
-
نمد نص ساعة كمان ..
=
نظرت إلى ساعتها ضاحكة دول بقوا عشرة نص ساعة يا أستاذ طارق ... لازم امشي المفروض
إن النهاردة اتغدى عند نادية ..
-
طيب نتغدى سوا ...
= واضح كده انك عديت الحدود ونزلت البحر كمان بس أضطر آسفة انى اسيبك لوحدك ..
-
خلاص نتفق على ميعاد
المقابلة القادمة ..
= المقابلة القادمة ..
-
لم يتوقف عند
اندهاشها كثير وأردف : يعنى لو نقدر نتقابل مرة كل فترة .. يعنى مرة كل اسبوع
مثلاً
= سيبنى أفكر لازم أمشى دلوقتى ..
-
طيب تحبى أوصلك
-
المترو موجود...
-
ايوه ما أنا عارف
نركب المترو سوا وبعدين ...
= مفيش بعدين حضرتك تركب
المترو ترجع لعربيتك انا أركب المترو فى
الاتجاه العكسى ناحية بيت نادية..
-
اوك .. نتقابل امتى
تانى ..
= قلنا نتكلم .. ونشوف..
-
طيب نتكلم امتى ..
= أنا زهقت .. أنت عندك درجة إلحاح غير عادية .. اقرب للزن ..
-
أنا أسف ..
= أثرت نغمته الحزينة بها .. ياسيدى ما فيش بينا أسف ولا شكر ..
-
طيب استنى معاكى لحد ما تركبى ..
جلسا
معا على محطة المترو .. يتجاذبان أطراف الحديث مرة ثانية.. وأخذهم الوقت وعبر
المترو أكثر من مرة دون أن تركب بحجة الزحام وبحجج غير منطقية مرات أخرى ...
= نظرت مرة أخرى إلى ساعتها ..
وهمت بالوقوف ... حينما اقترب قطار المترو..
-
علق قائلا نستنى اللى
بعده .. ده شكله زحمة ...
= لازم امشي الوقت اتأخر جدا ..
-
طيب أكلمك امتى ...
-
بعدين رن لى على الموبايل و حسب الظروف ..
= لوحت له بوجهها وهى تجلس فى قطار المترو .. وظل هو يتابع قطار
المترو حتى اختفى ..